مِنْ أوَّلِ الفاتِحةِ بلا خِلافٍ، وليست في أوَّلِ ﴿بَرَاءَةٌ﴾، بإجماعِ المُسلِمِينَ، وأمَّا باقي السُّوَرِ غيرِ الفاتِحةِ وَ ﴿بَرَاءَةٌ﴾، ففي البَسمَلَةِ في أوَّلِ كلِّ سُورةٍ منها ثَلاثَةُ أقوالٍ، حَكاها الخُراسَانِيُّونَ، أصحُّها وأشهَرُها -وهو الصَّوابُ، أوِ الأصوَبُ- أنَّها آيَةٌ كامِلةٌ، والثاني: أنَّها بَعضُ آيَةٍ، والثَّالثُ: أنَّها ليست بقُرآنٍ في أوائِلِ السُّوَرِ غيرِ الفاتِحةِ، والمَذهبُ أنَّها قُرآنٌ في أوائِلِ السُّوَرِ، غيرَ ﴿بَرَاءَةٌ﴾، ثم هل هي في الفاتِحةِ وغيرِها قُرآنٌ على سَبيلِ القَطعِ، كسائرِ القُرآنِ، أو على سَبيلِ الحُكمِ؛ لاختِلافِ العُلماءِ فيها وَجهانِ مَشهورانِ لِأصحابِنا، حَكاهُما المَحامِليُّ وصاحِبُ الحاوي والبَندَنيجِيُّ، أحَدُهما: على سَبيلِ الحُكمِ بمَعنى أنَّه لا تَصحُّ الصَّلاةُ إلا بقِراءَتِها في أوَّلِ الفاتِحةِ، ولا يَكونُ قارِئًا لِسُورةٍ غيرِها بكَمالِها إلا إذا ابتَدَأَها بالبَسمَلَةِ (والصَّحِيحُ) أنَّها ليست على سَبيلِ القَطعِ؛ إذ لا خِلافَ بينَ المُسلِمِينَ أنَّ نافيَها لا يَكفرُ، ولو كانَت قُرآنًا قَطعًا لَكفرَ، كمَن نَفَى غيرَها، فعَلى هذا يُقبلُ في إثباتِها خَبرُ الواحدِ، كسائرِ الأحكامِ، وإذا قالَ: هي قُرآنٌ على سَبيلِ القَطعِ، لم يُقبل في إثباتِها خَبرُ الواحدِ، كسائرِ القُرآنِ، وإنَّما ثَبت بالنَّقلِ المُتواتِرِ عن الصَّحابةِ في إثباتِها في المُصحَفِ، كما سَيَأتي تَحريرُه في فَرعِ مَذاهبِ العُلماءِ إن شاءَ اللهُ تَعالى. وضَعَّفَ إمامُ الحَرمَينِ وغيرُه قولَ مَنْ قالَ: إنَّها قُرآنٌ على سَبيلِ القَطعِ، قالَ الإمامُ: هذه غَباوَةٌ عَظيمةٌ مِنْ قائِلِ هذا؛ لأنَّ ادِّعاءَ العِلمِ حيث لا قاطِعَ مُحالٌ. وقالَ صاحِبُ الحاوي: قال جُمهورُ أصحابِنا: هي آيَةٌ، حُكمًا لا قَطعًا. وقالَ أبو علِيِّ بنُ هُبيرةَ: هي آيَةٌ مِنْ أوَّلِ كلِّ سُورةٍ غيرِ ﴿بَرَاءَةٌ﴾ قَطعًا، ولا خِلافَ عندَنا أنَّها تَجِبُ قِراءَتُها في أوَّلِ الفاتِحةِ، ولا