للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابلةُ في المَذهبِ: المَرأةَ إذا شَرطَتْ عليهِ أنْ يُطلِّقَ ضَرَّتَها صحَّ الشَّرطُ؛ لأنهُ لا يُنافي العقدَ ولها فيهِ فائدةٌ، فأشبَهَ ما لو شَرطَتْ عليهِ أنْ لا يَتزوَّجَ عليها، ولكنْ لا يَجبُ الوفاءُ بهِ بل يُسنُّ، فإنْ لمْ يَفِ الزَّوجُ بشَرطِها فلها الفَسخُ؛ لأنهُ شَرطٌ لازمٌ في عَقدٍ، فثَبتَ حقُّ الفَسخِ بتَركِ الوفاءِ بهِ كالرَّهنِ والضَّمينِ في البَيعِ، وهذا الخِيارُ على التَّراخي؛ لأنهُ خِيارٌ يَثبتُ لدَفعِ الضَّررِ، فكانَ على التَّراخي تَحصيلًا لمَقصودِها كخِيارِ العَيبِ والقِصاصِ، ولا يَسقطُ إلَّا بما يَدلُّ على الرِّضا منها مِنْ قَولٍ أو تَمكينٍ مِنها معَ العِلمِ بفِعلِه ما شَرطَتْ أنْ لا يَفعلَه، فإنْ لم تَعلمْ بعَدمِ الوفاءِ ومَكَّنتْهُ لم يَسقطْ خِيارُها، لأنَّ مُوجِبَه لم يَثبتْ، فلا يَكونُ له أثرٌ، كالمُسقِطِ لشُفعتِه قبْلَ البَيعِ (١).

وعنِ الإمامِ أحمَدَ رِوايةٌ اختارَها ابنُ قُدامةَ وغَيرُه: أنَّه لا يَصحُّ الشَّرطُ؛ لمَا رَوى أبو هُريرةَ قالَ: «نهَى رَسولُ اللهِ أنْ تَشتَرطَ المرأةُ طلاقَ أُختِها» (٢)، والنَّهيُ يَقتضِي فَسادَ المَنهيِّ عنهُ، ولأنها شَرطَتْ عليهِ فسْخَ عَقدِه وإبطالَ حقِّهِ وحقِّ امرَأتِه، فلمْ يَصحَّ، كما لو شَرطَتْ عليهِ فسْخَ بَيعِه (٣).


(١) «الفروع» (٥/ ١٦٢، ١٦٣)، و «المبدع» (٧/ ٨١، ٨٢)، و «الإنصاف» (٨/ ١٥٧)، و «كشاف القناع» (٥/ ٩٩، ١٠٠)، و «منار السبيل» (٢/ ٥٨٥، ٥٨٦).
(٢) رواه البخاري (٢٥٧٧).
(٣) «المغني» (٧/ ٧٢)، والشرح «الكبير» (٧/ ٥٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>