للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : وقَولُه : «لا تَشتَرط المرأةُ طلاقَ أُختِها» حُجَّةٌ لمَن أجازَ الشُّروطَ المَكروهةَ؛ لأنهُ لو لم تَكنْ هذه الشُّروطُ عامِلةً إذا وَقعَتْ لمْ يكنْ لنَهيِه عنِ اشتِراطِ المرأةِ طلاقَ أُختِها معنًى، ولَكانَ اشتِراطُها ذلكَ كَلَا اشتِراطٍ، فكذلكَ ما شابَهَ ذلكَ مِنَ الشُّروطِ، وإنْ كانَتْ مَكروهةً فهي لازِمةٌ؛ لقَولِه : «أحَقُّ الشُّروطِ أنْ يُوفَّى بها ما استَحلَلتُم بهِ الفُرُوجَ» (١).

إلَّا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفوا إذا وقَعَ النِّكاحُ بهذا الشَّرطِ، هل يَصحُّ الشَّرطُ أم لا؟

فالحنفيَّةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ يَرَونَ أنَّ الشَّرطَ صَحيحٌ، إلَّا أنَّ الحَنفيةَ قالوا: أنه شَرطٌ غيرُ لازمٍ، فإنْ وفَّى لها فحَسنٌ، وإنْ لمْ يُوفِّي لها فلها صَداقُ المِثلِ.

قالَ الحَنفيةُ: لو تَزوَّجَ امرأةً بألفٍ على أنْ يُطلِّقَ ضَرَّتَها فإنْ وفَّى لها فلها الألفُ، وإلِّا فمَهرُ المِثلِ، وكذا لو تَزوَّجَها على أقلَّ مِنْ مَهرِ مِثلِها على أنْ يُطلِّقَ ضَرَّتَها، فإنْ أبَى أنْ يُطلِّقَ لم يُجبَرْ على ذلكَ؛ لأنهُ شرَطَ الطَّلاقَ، وإيقاعُ الطَّلاقِ لا يَصحُّ التِزامُه في الذِّمَّةِ، فلا يَلزمُه بالشَّرطِ شيءٌ، ولكنْ لها كَمالُ مهرِ مثلِها؛ لأنَّ لها في طلاقِ ضَرَّتِها مَنفعةٌ، فإنَّما رَضيَتْ بدونِ مَهرِ مثلِها بشَرطِ أنْ تُسلَّمَ لها هذهِ المَنفعةُ، فإذا لم تُسلَّمْ كانَ لها كَمالُ مَهرِ مثلِها (٢).


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٨/ ١١٦).
(٢) «المبسوط» (٥/ ٨٨)، و «شرح فتح القدير» (٣/ ٣٥١)، و «البحر الرائق» (٣/ ١٧١، ١٧٣)، و «الأشباه والنظائر» (٤١٠)، و «مجمع الضمانات» (٢/ ٧٣٥)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ١٢٤، ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>