للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَصلُ الرَّابعُ: أنهُ يَرجِعُ بالمَهرِ على مَنْ غَرَّه، وقالَ أبو بكرٍ: فيهِ رِوايتانِ: إحداهُما: يَرجعُ بهِ، والأُخرَى: لا يَرجعُ.

والصَّحيحُ أنَّ المَذهبَ رِوايةٌ واحِدةٌ، وأنهُ يَرجعُ بهِ، فإنَّ أحمَدَ قالَ: كنتُ أذهَبُ إلى قَولِ عَليٍّ فهِبْتُه، فمِلْتُ إلى قَولِ عُمرَ: إذا تَزوَّجَها فرأَى جُذامًا أو بَرَصًا فإنَّ لها المَهرَ بمَسيسِهِ إياها، ووَليُّها ضامِنٌ للصَّداقِ، وهذا يَدلُّ على أنهُ رجَعَ إلى هذا القَولِ، وبهِ قالَ الزُّهريُّ وقَتادةُ ومالكٌ والشَّافعيُّ في القديمِ، ورُويَ عَنْ عَليٍّ أنهُ قالَ: لا يَرجعُ، وبهِ قالَ أبو حَنيفةَ والشَّافعيُّ في الجَديدِ؛ لأنهُ ضَمِنَ ما استَوفى بَدلَه، وهو الوَطءُ، فلا يَرجعُ بهِ على غَيرِه، كما لو كانَ المَبيعُ مَعيبًا فأكَلَه.

ولنا: ما رَوى مالكٌ عن يَحيَى بنِ سَعيدٍ عن سَعيدِ بنِ المُسيّبِ قالَ: قالَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ: «أيُّما رَجلٍ تَزوَّجَ بامرأةٍ بها جُنونٌ أو جُذامٌ أو بَرَصٌ فمَسَّها فلها صَداقُها، وذلكَ لزَوجِها غُرمٌ على وَليِّها»، ولأنهُ غَرَّهُ في النِّكاحِ بما يَثبتُ بهِ الخِيارُ، فكانَ المَهرُ عليهِ، كما لو غَرَّهُ بحُريةِ أمَةٍ.

فإذا ثبَتَ هذا فإنْ كانَ الوَليُّ عَلِمَ غَرِمَ، وإنْ لم يكنْ عَلِمَ فالتَّغريرُ مِنْ المرأةِ، فيرجعُ عليها بجميعِ الصَّداقِ.

فإنِ اختَلفُوا في عِلمِ الوَليِّ فشَهدَتْ بَيِّنةٌ عليهِ بالإقرارِ بالعِلمِ، وإلَّا فالقولُ قَولُه معَ يَمينِه، قالَ الزُّهريُّ وقَتادةُ: إنْ عَلِمَ الوَليُّ غَرِمَ، وإلَّا استُحلِفَ باللهِ العَظيمِ أنهُ ما عَلِمَ، ثُمَّ هو على الزَّوجِ.

وقالَ القاضي: إنْ كانَ أبًا أو جَدًّا أو مِمَّنْ يَجوزُ له أنْ يَراها فالتَّغريرُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>