للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأُولى؛ لأنَّها ليست مِنْ الفاتِحةِ عندَنا، وإنَّما يَفتَتِحُ القِراءةَ بها تَبَرُّكًا، وذلك مُختَصٌّ بالرَّكعةِ الأُولى، كالتَّعوُّذِ.

ورَوى المُعلى عن أبي يُوسفَ عن أبي حَنيفَةَ أنَّه يأتي بها في كلِّ رَكعةٍ، وهو قولُ أبي يُوسفَ ومُحمدٍ؛ لأنَّ التَّسمِيَةَ إن لم تُجعَل مِنْ الفاتِحةِ قَطعًا بخَبرِ الواحدِ -وخَبرُ الواحدِ يُوجِبُ العملَ- صارَت مِنْ الفاتِحةِ عمَلًا، فمتى لزِمه قِراءةُ الفاتِحةِ يَلزمُه قِراءةُ التَّسمِيَةِ احتِياطًا.

وأمَّا عندَ رَأسِ كلِّ سُورةٍ في الصَّلاةِ فلا يَأتي بالتَّسمِيَةِ، عندَ أبي حَنيفَةَ وأبي يُوسفَ، وقالَ مُحمدٌ: يَأتي بها احتِياطًا، كما في أوَّلِ الفاتِحةِ، والصَّحِيحُ قولُهما؛ لأنَّ احتِمالَ كَونِها مِنْ السُّورةِ مُنقَطِعٌ بإجماعِ السَّلفِ على ما مرَ، وفي أنَّها ليست مِنْ الفاتِحةِ لا إجماعَ عليه، فبَقيَ الاحتِمالُ، فوجبَ العملُ به في حقِّ القِراءةِ احتِياطًا، ولكِن لا يُعَدُّ هذا الاحتِمالُ في حقِّ الجَهرِ؛ لأنَّ المُخافَتَةَ أصلٌ في الأذكارِ، ولأنَّ الجَهرَ بها بِدعةٌ في الأصلِ، فإذا احتَمَلَ أنَّها ذِكرٌ في هذه الحالةِ، واحتَمَلَ أنَّها مِنْ الفاتِحةِ، كانَتِ المُخافَتَةُ أبعد عن البِدعةِ، فكانَت أحَقَّ.

ورُويَ عن مُحمدٍ أنَّه إذا كانَ يُخفي بالقِراءةِ يَأتِي بالتَّسمِيَةِ بينَ الفاتِحةِ والسُّورةِ؛ لأنَّه أقرَبُ إلى مُتابَعةِ المُصحَفِ، وإذا كان يَجهَرُ بها لا يَأتي؛ لأنَّه لو فعلَ لَأخفَى، فيَكونَ سَكتةً له في وَسَطِ القِراءةِ، وذلك غيرُ مَشروعٍ، ثم يَقرأُ بفاتِحةِ الكتابِ والسُّورةِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٢٠٣، ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>