للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا قولُه: إنَّها كُتِبت في المَصاحِفِ بقَلَمِ الوَحيِ على رُؤُوسِ السُّوَرِ، فنَعم، لكنَّ هذا يدلُّ على كَونِها مِنْ القُرآنِ، لا على كَونِها مِنْ السُّوَرِ؛ لِجَوازِ أنَّها كُتِبت لِلفَصلِ بينَ السُّوَرِ، لا لأنَّها منها، فلا يثبُتُ كَونُها مِنْ السُّوَرِ بالاحتِمالِ، ويَنبَني على هذا أنَّه لا يُجهَرُ بالتَّسمِيَةِ في الصَّلاةِ عندَنا؛ لأنَّه لا نصَّ في الجَهرِ بها، وليست مِنْ الفاتِحةِ حتى يُجهَرَ بها ضَرورةَ الجَهرِ بالفاتِحةِ، وعندَه يُجهَرُ بها في الصَّلواتِ التي يُجهَرُ فيها بالقِراءةِ، كما يُجهَرُ بالفاتِحةِ؛ لكَونِها مِنْ الفاتِحةِ، ولأنَّ التَّسمِيَةَ متى تردَّدت بينَ أن تَكونَ مِنْ الفاتِحةِ وبينَ ألَّا تَكونَ تَرَدُّدَ الجَهرُ بينَ السُّنةِ والبِدعةِ؛ لأنَّها إذا لم تكُن منها التَحَقَت بالأذكارِ، والجَهرُ بالأذكارِ بِدعةٌ، والفِعلُ إذا تردَّدَ بينَ السُّنةِ والبِدعةِ تُغَلَّبُ جِهةُ البِدعةِ؛ لأنَّ الامتِناعَ عن البِدعةِ فَرضٌ، ولا فَرضيةَ في تَحصيلِ السُّنةِ أو الواجِبِ؛ فكانَ الإخفاءُ بها أولَى.

والدَّليلُ عليه ما رُويَ عن أبي بَكرٍ وعمرَ وعُثمانَ وعلِيٍّ وعَبد الله بنِ مَسعودٍ وعَبد اللهِ بنِ الفَضلِ وعَبد اللهِ بنِ عبَّاسٍ وأنَسٍ وغيرِهم، ، أنَّهم كانوا يُخفُونَ التَّسمِيَةَ، وكَثيرٌ منهم قالَ: الجَهرُ بالتَّسمِيَةِ أعرابيَّةٌ، والمَنسوبُ إليهم باطِلٌ؛ لِغَلَبةِ الجَهلِ عليهم بالشَّرائِعِ.

ورُويَ عن أنَسٍ أنَّه قالَ: صلَّيتُ خلفَ رَسولِ اللهِ، وخلفَ أبي بَكرٍ وعمرَ، ، وكانوا لا يَجهَرونَ بالتَّسمِيَةِ، ثم عندَنا أنَّه لا يَجهَرُ بالتَّسمِيَةِ، لكِن يأتي بها الإمامُ لافتِتاحِ القِراءةِ بها؛ تَبَرُّكًا، كما يَأتي بالتَّعوُّذِ في الرَّكعةِ الأُولى، باتِّفاقِ الرِّواياتِ، وهل يَأتي بها في أوَّلِ الفاتِحةِ في الرَّكعاتِ الأُخَرِ؟ عن أبي حَنيفَةَ رِوايتانِ، رَوى الحَسنُ عنه أنَّه لا يَأتي بها إلا في الرَّكعةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>