للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتحَقَّقِ المُناصَفةُ، بل يَكونُ ما للهِ أكثرَ؛ لأنَّه يَكونُ في النِّصفِ الأوَّلِ أربَعُ آياتٍ ونِصفُ آيةٍ، ولأنَّ كَونَ الآيةِ مِنْ سُورةِ كذا، ومِن مَوضِعِ كذا لا يثبُتُ إلا بالدَّليلِ المُتَواتِرِ مِنْ النَّبيِّ ، وقد ثَبت بالتَّواتُرِ أنَّها مَكتوبةٌ في المَصاحِفِ، ولا تَواتُرَ على كَونِها مِنْ السُّورةِ؛ ولهذا اختَلفَ أهلُ العِلمِ فيها، فعَدَّها قُرَّاءُ أهلِ الكُوفةِ مِنْ الفاتِحةِ، ولم يَعُدَّها قُراءُ أهلِ البَصرةِ منها، وهذا دَليلُ عدمِ التَّواتُرِ، ووقُوعِ الشَّكِّ والشُّبهةِ في ذلك؛ فلا يثبُتُ كَونُها مِنْ السُّورةِ مع الشَّكِّ. قالَ الكاسانيُّ : ولأنَّ كَونَ التَّسمِيَةِ مِنْ كلِّ سُورةٍ ممَّا اختَصَّ به الشافِعيُّ، لا يُوافِقُه في ذلك أحَدٌ مِنْ سَلفِ الأمَّةِ، وكَفى به دَليلًا على بُطلانِ المَذهبِ.

والدَّليلُ عليه ما رُويَ عن أبي هُريرةَ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «سُورةٌ في القُرآنِ ثَلاثونَ آيَةً، شَفَعت لِصاحِبِها حتى غُفِرَ له: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾، وقدِ اتَّفق القُرَّاءُ وغيرُهم على أنَّها ثَلاثونَ آيَةً سِوى ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ولو كانَت هي منها لَكانَت إحدى وثَلاثينَ آيَةً، وهو خِلافُ قولِ النَّبيِّ ، وكذا انعَقَدَ الإجماعُ مِنْ الفُقهاءِ والقُرَّاءِ على أنَّ سُورةَ الكَوثَرِ ثَلاثُ آياتٍ، وسُورةَ الإخلاصِ أربَعُ آياتٍ، ولو كانَتِ التَّسمِيَةُ منها لَكانَت سُورةُ الكَوثَرِ أربعَ آياتٍ، وسُورةُ الإخلاصِ خَمسَ آياتٍ، وهو خِلافُ الإجماعِ.

وكَونُ التَّسمِيَةِ مِنْ الفاتِحةِ لا يثبُتُ إلا بالنَّقلِ المُوجِبِ لِلعِلمِ، مع أنَّه عارَضَه ما هو أقوَى منه وإثبَتُ وأشهَرُ، وهو حَديثُ القِسمةِ، فلا يُقبلُ في مُعارَضَتِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>