فإذا تَزوَّجَتِ امرأةٌ رَجلًا معَ العِلمِ بإعسارِه بالمَهرِ وقُلنا: يَثبتُ لها الخيارُ إذا لم تَعلمْ بهِ .. فهلْ يَثبتُ لها الخِيارُ هاهُنا؟ فيهِ وَجهانِ، حَكاهُما ابنُ الصبَّاغِ:
أحَدُهما: لا يَثبتُ لها الخِيارُ؛ لأنها رَضِيَتْ بتَأخيرِه، بخِلافِ النَّفقةِ؛ فإنَّ النَّفقةَ لا تَجبُ بالعَقدِ، ولأنه قد يَتمكَّنُ المُعسِرُ مِنْ النفقةِ بالكَسبِ والاجتِهادِ بخِلافِ الصَّداقِ.
والثَّاني: يَثبتُ لها الخِيارُ؛ لأنه يَجوزُ أنْ يقدرَ عليه بعدَ العَقدِ، فلا يَكونُ عِلمُها بإعسارِه .. رضًا بتأخيرِ الصَّداقِ كالنفقةِ.
وإنْ أعسَرَ بالصَّداقِ فرَضِيَتْ بالمقامِ معه .. لم يَكنْ لها الخِيارُ بعدَ ذلكَ؛ لأنَّ حقَّ الصَّداقِ لم يَتجدَّدْ، بخِلافِ النَّفقةِ، هذا تَرتيبُ البَغداديينَ.
وقالَ المَسعوديُّ في «الإبانَة»: إذا رَضيَتْ بإعسارِه بالمَهرِ ثمَّ رجَعَتْ فإنْ كانَ قبلَ الدُّخولِ .. كانَ لها الامتِناعُ، وإنْ كانَ بعدَ الدُّخولِ .. لم يكنْ لها الامتِناعُ.
وإنْ رَضيَتْ بالمقامِ معه بعدَ ما أعسَرَ بالصَّداقِ .. سقَطَ حَقُّها مِنْ الفَسخِ، ولا يَلزمُها أنْ تُسلِّمَ نفسَها، بلْ لها أنْ تَمتَنعَ حتَّى يُسلِّمَ صَداقها؛ لأنَّ رَضاها إنَّما يؤثِّرُ في إسقاطِ الفَسخِ دُونَ الامتِناعِ.