والدليلُ الرابعُ مِنْ الآيةِ: أنَّ الزوجَ غارِمٌ للباقي مِنْ نصفِ الصَّداقِ في حقِّ الزوجةِ تَقبضُه الكبيرةُ ووَليُّ الصغيرةِ، فكانَ تَوجُّهُ العفوِ إلى مُستحِقِّ الغُرمِ أَولى مِنْ توجُّهِه إلى مُلتزِمِ الغُرمِ.
والخامسُ: أنَّ اللهَ تعالى ندَبَ إلى العفوِ مِنْ كِلا الطرفَين، فندَبَ إلى الأزواجِ بقوله: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: ٢٣٧] ولم يُفصِّلْ؛ لأنهم يَملكونَ أنفسَهم، ثمَّ لمَّا ندَبَ النساءَ وكُنَّ يَنقسمْنَ إلى ثُيَّبٍ يَملكْنَ أنفسَهن ولا حَجْرَ عليهنَّ، وإلى أبكارٍ يُولَّى عليهنَّ، خاطَبَ الثُّيَّبَ بإيقاعِ العفوِ منهنَّ وامتَنعَ ذلكَ في الأبكارِ، فعدَلَ إلى الأولياءِ المالِكِين أمورَهنَّ وهمُ الآباءُ، ومتى جعَلْناه للأزواجِ أَخرَجْنا الأبكارَ مِنْ حيِّزِ مَنْ يُندبُ إلى العفوِ، ولأنهنَّ أحدُ نوعيِ الزوجاتِ، فجازَ أنْ يَلحقَهنَّ الندبُ إلى العفوِ عن نصفِ الصداقِ كالثيبِ، ولأنها أحَدُ الزوجَينِ، فلَحقَها العفوُ عُمومًا كالزوج، ولأنه وَليٌّ يَملكُ الإجبارَ، فجازَ له العفو عن صداق مَنْ يَملكُ إجبارَها، أصلُه السيدُ في أمَتِه (١).
(١) «الموطأ» (٢/ ٥٢٧)، و «الكافي» (١/ ٢٥٤)، و «الاستذكار» (٥/ ٤٣٠، ٤٣٢)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٣٦٠، ٣٦٢) رقم (١١٩٥)، و «أحكام القرآن» (١/ ٢٩٣، ٢٩٤)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ٢٠٦، ٢٠٧)، و «الذخيرة» (٤/ ٣٧١)، و «الفروق» (٣/ ٢٥٢، ٢٥٣)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٦١٤، ٦١٥)، و «شرح الزرقاني» (٣/ ١٧١)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٦٧)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٢١٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ١٨٣، ١٨٤)، و «الحاوي الكبير» (٩/ ٥١٣، ٥١٦)، و «المهذب» (٢/ ٥٩، ٦٠)، و «البيان» (٩/ ٤٣٩، ٤٤١).