وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: واختَلفوا مِنْ هذا الباب في فرعٍ مَشهورٍ مُتعلقٍ بالسَّماعِ، وهو: هل للأبِ أنْ يَعفوَ عن نصفِ الصداقِ في ابنتِه البكرِ -أعني إذا طُلِّقَت قبلَ الدخولِ- وللسيدِ في أمَتِه؟ فقالَ مالكٌ: ذلكَ له، وقالَ أبو حَنيفةَ والشافعيُّ: ليسَ ذلكَ له.
وسَببُ اختلافِهم هو الاحتِمالُ الذي في قولِه تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧] وذلكَ في لَفظةِ «يَعفُو»؛ فإنها تُقالُ في كلامِ العَرَبِ مرَّةً بمعنَى يُسقِطُ ومرَّةً بمعنى يَهَبُ، وفي قولِه: ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ على مَنْ يَعودُ هذا الضميرُ، هل على الوليِّ أو على الزوجِ؟ فمَن قالَ:«على الزوجِ» جعَلَ يَعفو بمَعنى يَهبُ، ومَن قالَ:«على الوليِّ» جعَلَ يَعفُو بمعنى يُسقِطُ.
ويُشبهُ أنْ يكونَ هذانِ الاحتمالانِ اللذانِ في الآيةِ على السواءِ، لكن مَنْ جعَلَه الزوجَ فلم يُوجِبْ حكمًا زائدًا في الآيةِ، أي شَرعًا زائدًا؛ لأنَّ جوازَ ذلكَ معلومٌ مِنْ ضَرورةِ الشرعِ، ومَن جعَلَه الوليَّ إمَّا الأبَ وإما غيرَه فقد زادَ شَرعًا، فلذلكَ يَجبُ عليه أنْ يأتيَ بدليلٍ يُبيِّنُ به أنَّ الآيةَ أظهَرُ في الوليِّ منها في الزوجِ، وذلكَ شَيءٌ يَعسرُ.
والجُمهورُ على أنَّ المرأةَ الصغيرةَ والمَحجورةَ ليس لها أنَ تهَبَ مِنْ