يَكنْ بيَدِه عقدةُ النكاحِ ولا هيَ في يدِه في الحالِ، فكانَ الزوجُ أَولى بمعنَى الآيةِ مِنْ الوليِّ، ويَدلُّ على ذلكَ قولُه تعالَى في نَسقِ التلاوةِ: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، فندَبَه إلى الفَضلِ وقالَ تعالَى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: ٢٣٧]، وليسَ في هبةِ مالِ الغيرِ إفضالٌ منه على غيرِه، والمرأةُ لم يَكنْ منها إفضالٌ، وفي تَجويزِ عفوِ الوليِّ إسقاطُ معنَى الفضلِ المذكورِ في الآيةِ، وجعَلَه تعالى بعدَ العفوِ أَقربَ للتقوى، ولا تَقوى له في هبةِ مالِ غيرِه، وذلكَ الغيرُ لم يَقصِدْ إلى العفو، فلا يَستحقُّ به سِمةَ التقوَى.
وأيضًا فلا خِلافَ أنَّ الزوجَ مندوبٌ إلى ذلك، وعَفوُه وتَكميلُ المهرِ لها جائزٌ منه، فوجَبَ أنْ يكونَ مُرادًا بها، وإذا كانَ الزوجُ مُرادًا انتَفى أنْ يكونَ الوليُّ مُرادًا بها؛ لأنَّ السَّلفَ تأوَّلُوه على أحدِ مَعنَيينِ: إمَّا الزَّوج وإما الوَلي، وإذْ قد دَلَّلْنا على أنَّ الزوجَ مرادٌ وجَبَ أنْ تَمتنعَ إرادةُ الوليِّ (١).
وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيُّ في القَديمِ والحَنابلةُ في قولٍ إلى أنَّ المقصودَ بقولِه تعالَى: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧] هو الأبُ في ابنتِه البكرِ؛ لأنه لمَّا ندَبَ الكبيرةَ إلى العفوِ ندَبَ وليَّ الصغيرةِ إلى مثلِه؛ ليَتساويَا في ترغيبِ الأزواجِ فيهما، فيَجوزُ للأبِ أنْ يعفوَ عن نصفِ صداقِ ابنتِه البكرِ إذا طُلِّقَت قبلَ الدخولِ.
وليسَ له العفوُ قبلَ الطلاقِ عندَ مالكٍ، وقالَ ابنُ القاسمِ: يَجوزُ إذا كانَ