للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَندوبًا إلى مثلِه تَرغيبًا للنساءِ فيه، ولأنه لو ملَكَ الأبُ العفوَ لَملَكَه غيرُه مِنَ الأولياءِ، ولو ملَكَه في البكرِ لَملَكَه في الثيِّبِ، ولو ملَكَه قبلَ الدخولِ لَملَكَه بعدَه، ولو ملَكَه بعدَ الطلاقِ لَملَكَه قبلَه، ولو ملَكَه في المهرِ لَملَكَه في الدَّينِ.

وتحريرُه قياسًا: أنَّ مَنْ لم يَملكِ العفوَ عن مهرِها إذا كانت ثَيبًا لم يَملكْه إذا كانَتْ بِكرًا، كالإخوةِ والأعمامِ طَردًا وكالسيِّدِ في أمَتِه عكسًا (١).

وقالَ الإمامُ أبو بكرٍ الجَصاصُ : قولُه تعالَى: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧] مُتشابهٌ؛ لاحتِمالِه الوجهَين اللذَين تأوَّلَهما السَّلفُ عليهما، فوجَبَ ردُّه إلى المُحْكَمِ وهو قولُه تعالَى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)[النساء: ٤]، وقالَ تعالَى في آيةٍ أُخرى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠]، وقالَ تعالَى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، فهذهِ الآياتُ مُحكَمةٌ لا احتِمالَ فيها لغيرِ المعنَى الذي اقتَضَتْه، فوجَبَ رَدُّ الآيةِ المتشابهةِ وهي قولُه تعالَى: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧] إليها؛ لأمرِ اللهِ تعالَى الناسَ برَدِّ المُتشابِه إلى المُحكَمِ، وذَمَّ متَّبعِي المتشابِه مِنْ غيرِ حَمْلِه على معنَى المُحكَمِ بقولِه تعالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ [آل عمران: ٧].


(١) «الحاوي الكبير» (٩/ ٥١٥، ٥١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>