للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما القياسُ الذي يَقتضي التحديدَ فهو كما قُلنا: إنه عِبادةٌ والعِباداتُ مُؤقتةٌ.

وأمَّا الأثَرُ الذي يَقتضي مَفهومُه عدمَ التحديدِ: فحديثُ سهلِ بنِ سَعدٍ الساعديِّ المُتفَقِ على صحتِه، وفيه أنَّ رسولَ اللهِ جاءَتْه امرأةٌ فقالَت: يا رَسولَ اللهِ إني قد وهَبْتُ نفسِي لكَ، فقامَتْ قيامًا طويلًا فقامَ رجلٌ فقالَ: يا رسولَ اللهِ زَوِّجْنيها إنْ لم يَكنْ لكَ بها حاجةٌ، فقالَ رسولُ اللهِ : هل معكَ مِنْ شيءٍ تُصْدِقُها إيَّاه؟ فقالَ: ما عندِي إلا إزارِي، فقالَ رسولُ اللهِ : إنْ أعطَيتَها إياه جلَسْتَ لا إزارَ لكَ فالتمِسْ شَيئًا، فقالَ: لا أجِدُ شَيئًا، فقالَ : التمِسْ ولو خاتمًا مِنْ حديدٍ، فالتمَسَ فلم يَجدْ شَيئًا، فقالَ رسولُ اللهِ : هل معكَ شيءٌ مِنَ القرآنِ؟ قالَ: نعم سُورةُ كذا وسورةُ كذا، لسُوَرٍ سمَّاها، فقالَ رسولُ اللهِ : قد أنكَحْتُكَها بما معكَ مِنَ القرآن».

قالوا: فقولُه : «التَمِسْ ولو خاتَمًا مِنْ حديدٍ» دليلٌ على أنه لا قَدْرَ لأقلِّه؛ لأنه لو كانَ له قَدرٌ لَبيَّنَه؛ إذ لا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجَةِ، وهذا الاستدلالُ بيِّنٌ كما ترَى، مع أنَّ القياسَ الذي اعتَمدَه القائلونَ بالتحديدِ ليسَ تَسلَمُ مُقدِّماتُه، وذلك أنه انبَنَى على مقدِّمتَينِ:

إحدَاهُما: أنَّ الصداقَ عِبادةٌ، والثانيةُ: أنَّ العبادةَ مُؤقتةٌ.

وفي كِليهما نزاعٌ للخصمِ، وذلكَ أنه قد يُلفَى في الشرعِ مِنَ العباداتِ ما ليسَتْ مُؤقتةً، بل الواجِبُ فيها هو أقلُّ ما يَنطلِقُ عليه الاسمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>