للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلُّ أحدٍ يُؤخَذُ مِنْ قولِه ويُتركُ إلا رَسولَ اللهِ الذي لا يَنْطِقُ عن الهوَى (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ القَيمِ : والصوابُ القولُ بأنَّ هذهِ الآيةَ مُحكَمةٌ يُعمَلُ بها لم يَنسخْها شيءٌ، وهي مُشتمِلةٌ على خبَرٍ وتَحريمٍ، ولم يأتِ مَنْ ادَّعى نَسْخَها بحُجَّةٍ ألبتةَ، والذي أشكَلَ منها على كثيرٍ مِنَ الناسِ واضحٌ بحَمدِ اللهِ تعالَى، فإنهم أشكَلَ عليهم قولُه: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣] هل هو خبَرٌ أو نهيٌ أو إباحةٌ؟ فإنْ كانَ خبَرًا فقدْ رَأيْنا كثيرًا مِنْ الزُّناةِ يَنْكِحُ عفيفةً، وإنْ كانَ نهيًا فيكونُ قد نهَى الزاني أنْ يتزوَّجَ إلا بزانيةٍ أو مُشرِكةٍ، فيكونُ نهيًا له عن نكاحِ المُؤمناتِ العَفائفِ، وإباحةً له في نكاحِ المُشركاتِ والزَّواني، واللهُ سُبحانَه لم يُرِدْ ذلكَ قَطعًا، فلمَّا أشكَلَ عليهم ذلكَ طلَبوا للآيةِ وجهًا يَصحُّ حَملُها عليه، فقالَ بعضُهم: «المرادُ مِنَ النكاحِ الوطءُ والزنا، فكأنَّه قالَ: الزاني لا يَزني إلا بزانيةٍ أو مُشرِكةٍ»، وهذا فاسدٌ؛ فإنه لا فائدةَ فيه، ويُصانُ كلامُ اللهِ تعالَى عن حَمْلِه على مثلِ ذلكَ، فإنه مِنَ المعلومُ أنَّ الزاني لا يزنِي إلَّا بزانيةٍ، فأيُّ فائدةٍ في الإخبار بذلكَ، ولمَّا رَأى الجُمهورُ فسادَ هذا التأويلِ أَعرضوا عنه.

ثمَّ قالَتْ طائفةٌ: «هذا عامُّ اللفظِ خاصُّ المعنَى، والمرادُ به رَجلٌ واحدٌ وامرأةٌ واحدةٌ، وهيَ عَنَاقُ البَغيُّ وصاحبُها، فإنه أَسْلَمَ واستأذَنَ رسولَ اللهِ في نكاحِها فنزَلَتْ هذه الآيةُ»، وهذا أيضًا فاسدٌ؛ فإنَّ هذه الصُّورةَ المعينةَ


(١) «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ١١٣، ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>