للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسْخَه مِنْ غيرِ نصٍّ يُعارِضُ ذلكَ النصَّ فإنه مُخطئٌ في ذلكَ، كما قد بُسطَ الكلامُ على هذا في موضعٍ آخرَ وبُيِّنَ أنَّ النصوصَ لم يُنسَخْ منها شيءٌ إلا بنَصٍّ باقٍ مَحفوظٍ عندَ الأمَّةِ، وعِلمُها بالناسخِ الذي العملُ به أهَمُّ عندَها مِنْ عِلمِها بالمَنسوخِ الذي لا يَجوزُ العملُ به، وحِفظُ اللهِ النصوصَ الناسخةَ أَولى مِنْ حفظِه المَنسوخةَ، وقولُ مَنْ قالَ: «هيَ منسوخةٌ بقولِه: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢]» في غايةِ الضعفِ؛ فإنَّ كونَها زانيةً وَصفٌ عارِضٌ لها يُوجِبُ تحريمًا عارِضًا، مثلَ كونِها مُحرَّمةً ومُعتدَّةً ومَنكوحةً للغير ونحوِ ذلكَ ممَّا يُوجِبُ التحريمَ إلى غايةٍ، ولو قُدِّرَ أنها مُحرَّمةٌ على التأبيدِ لكانَتْ كالوثَنيةِ، ومَعلومٌ أنَّ هذه الآيةَ لم تَتعرَّضْ للصفاتِ التي بها تَحرمُ المرأةُ مُطلَقًا أو مُؤقَّتًا، وإنما أمَرَ بإنكاحِ الأيامَى مِنْ حيثُ الجُملةِ، وهو أمرٌ بإنكاحهنَّ بالشروطِ التي بيَّنَها، وكما أنها لا تُنكَحُ في العدَّةِ والإحرامِ لا تُنكَحُ حتى تتوبَ …

ثمَّ قالَ: وبالجُملةِ فهذهِ المَسألةُ في قلوبِ المُؤمنينَ أعظَمُ مِنْ أنْ تَحتاجَ إلى كَثرةِ الأدلَّةِ، فإنَّ الإيمانَ والقُرآنَ يحرِّمُ مثلَ ذلكَ، لكنْ لمَّا كانَ قد أباحَ مثلَ ذلكَ كثيرٌ مِنْ عُلماءِ المسلمِينَ -الذين لا رَيبَ في عِلمِهم ودِينِهم مِنَ التابعِين ومَن بعدَهم وعُلوِّ قَدْرِهم- بنوعِ تأويلٍ تأوَّلوهُ احتِيجَ إلى البسطِ في ذلكَ، ولهذا نَظائرُ كثيرةٌ يكونُ القولُ ضَعيفًا جدًّا وقد اشتَبهَ أمرُه على كَثيرٍ مِنْ أهلِ العلمِ والإيمانِ وساداتِ الناسِ؛ لأنَّ اللهَ لم يَجعلِ العِصمةَ عندَ تنازُعِ المسلمِينَ إلَّا في الردِّ إلى الكتابِ والسُّنةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>