للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيلَ لهُ: لو كانَ كما ذكَرْتَ لوجَبَتِ الفُرقةُ بنفسِ القذفِ دونَ اللِّعانِ، فلمَّا لم تَقعْ بالقذفِ دلَّ على فَسادِ ما ذكَرْتَ.

فإنْ قيلَ: إنما وقَعَتِ الفرقةُ باللعانِ؛ لأنه صارَ بمَنزلةِ الشهادةِ عليها بالزنا، فلمَّا حُكمَ عليها بذلكَ حُكمَ بوقوعِ الفرقةِ لأجلِ الزنا.

قيلَ له: وهذا غَلطٌ أيضًا؛ لأنَّ شهادةَ الزوجِ وحْدَه عليها بالزنا لا تُوجبُ كونَها زانيةً، كما أنَّ شهادتَها عليه بالإكذابِ لا تُوجبُ عليه الحكمَ بالكذبِ في قذفِه إياها؛ إذْ ليسَتْ إحدى الشهادتَينِ بأَولى مِنْ الأُخرى، ولو كانَ الزوجُ مَحكومًا له بقَبولِ شهادتِه عليها بالزنا لَوجبَ أنْ تُحَدَّ حَدَّ الزنا، فلمَّا لم تُحَدَّ بذلكَ دلَّ على أنه غيرُ مَحكومٍ عليها بالزنا بقولِ الزوجِ، واللهُ أعلَمُ بالصوابِ (١).

وذهَبَ الحَنابلةُ إلى أنه لا يَصحُّ نكاحُها حتَّى تُوجَدَ التوبةُ منها، فمتى تزوَّجَها قبلَ التوبةِ كانَ النكاحُ فاسِدًا ويُفرَّقُ بينَهما، والتوبةُ: أنْ تُراوَدَ على الزنَا فتَمتنِعَ منه؛ لِمَا رُويَ أنه قيلَ لعُمرَ: كيفَ تَعرِفُ توبتَها؟ قالَ: يُريدَها على ذلكَ، فإنْ طاوعَتْهُ فلم تَتُبْ، وإنْ أبَتْ فقدْ تابَتْ، فصارَ أحمدُ إلى قولِ عُمرَ اتِّباعًا له، قالَ في «الاختيارات»: وعلى هذا كُلُّ مَنْ أرادَ مُخالَطةَ إنسانٍ امتَحنَه حتى يَعرِفَ بِرَّه أو فُجورَه أو تَوبتَه، ويَسألُ ذلكَ مَنْ يَعرفُه، وهذا هوَ المذهبُ؛ لنَصِّ الإمامِ في روايةِ إسحاقَ بنِ هانئٍ وقد سُئلَ: ما عِلْمُه بأنها قد


(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٥/ ١٠٨، ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>