للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تابَتْ؟ قال: يُريدُها على ما كانَ أرادَها عليهِ، فإنِ امتنَعَتْ فهيَ تائبةٌ يَتزوَّجُها، وإنْ طاوَعتْهُ فلا يتزوَّجُها، وكذلكَ نقَلَ أبو طالبٍ عنْهُ، وهوَ مَرويٌّ عنِ ابنِ عُمرَ وابنِ عبَّاسٍ، فإنْ تابَتْ وانقَضَتْ عدَّتُها حلَّتْ لزَانٍ كغيرِه، ولا يُقالُ: المُراوَدةُ مِنَ التجسُّسِ على العَيبِ المَنهيِّ عنه بقولِه تعالَى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢]؛ لأنَّا نَقولُ: الأمورُ بمَقاصدِها، والقصدُ بمُراوَدتِها العِلمُ بأنها تَصلحُ فِراشًا له أو لغيرِه فيُقدِمُ على ذلكَ، أو بعدمِه فلا يُقدِمُ هوَ عليه، ويَنصحُ مَنْ كانَ غافلًا أو مَنِ استنصَحَه في ذلكِ، إذِ النَّصيحةُ واجِبةٌ، وما لا يَتمُّ الواجِبُ إلا به فهو واجِبٌ، وليسَ الغَرضُ العِلمَ بعَيبِها فقطْ.

وقيلَ: تَوبتُها كتوبةِ غيرِها ندمٌ وإقلاعٌ وعَزمٌ أنْ لا تَعودَ مِنْ غيرِ مُراوَدةٍ، واختارَه المُوفَّقُ وغيرُه، وقالَ: لا يَنبغي امتِحانُها بطلبِ الزنَا منها بحالٍ.

فعَلى هذا القولِ تكونُ تَوبتُها كتوبةِ غيرِها، فإذا نَدمَتْ وأقلَعَتْ وعزَمَتْ على أنْ لا تَعودَ فإنها تَصحُّ تَوبتُها ولو لم تُراوَدْ؛ لأنَّ التوبةَ مِنْ سائرِ الذنوبِ في حقِّ سائرِ الناسِ بالنسبةِ إلى سائرِ الأحكامِ على غيرِ هذا الوجهِ، فكذلكَ هُنا.

والقَصدُ العِلمُ بأنها تَصلحُ فراشًا له أو لغَيرِه؛ استِدلالًا بقولِه تعالَى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)[النور: ٣]، فكانَ ما تَقدَّمَ مِنْ المَنعِ وتَعقَّبَ مِنْ التحريمِ نَصًّا لا يَجوزُ خِلافُه (١).


(١) «المغني» (٧/ ١٠٧، ١٠٨)، و «المحرر في الفقه» (٢/ ٢١)، و «الإنصاف» (٨/ ١٣٣)، و «كشاف القناع» (٥/ ٩٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ١٧١)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ١١٠)، و «منار السبيل» (٢/ ٥٨١)، و «الإفصاح» (٢/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>