للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمُ التحريمِ، فهاهُنا أَوْلى، وإنْ قُدِّرَ بينَهما شبهٌ مِنْ وجهٍ ضَعيفٍ، فلا يَجوزُ تخصيصُ عُمومِ الكتابِ بهِ واطِّراحُ النصِّ بمثلِه (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ (٢) والشافِعيةُ إلى أنَّ الزنا لا يُثبِتُ حُرمةَ المصاهرةِ، فمَن زنَى بامرأةٍ جازَ له أنْ يَتزوجَ بنتَها أو أمَّها؛ لأنَّ المصاهَرةَ نعمةٌ مِنَ اللهِ امتنَّ بها على عِبادِه، فلا تَثبتُ بالزنا كما لا يَثبتُ به النسبُ، فيَجوزُ للزاني نكاحُ أمِّ مَنْ زنَى بها وبنتِها ولابنِه وأبيهِ نكاحُهنَّ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ [الفرقان: ٥٤]، فجمَعَ بينَ المائَينِ الصِّهرَ والنسَبَ، فلمَّا انتَفَى عنِ الزنا حُكمُ النسَبِ انتَفَى عنهُ حكمُ المُصاهرةِ.

ولأنَّ ثُبوتَ حُرمةِ المصاهَرةِ بطريق النِّعمةِ والكَرامةِ، فإنَّ اللهَ تعالَى مَنَّ به على عبادِهِ بقولِه تعالَى: ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾، وهوَ مَعقولٌ؛ فإنَّ أمهاتِها وبناتِها يَصِرْنَ كأمهاتِهِ وبناتِهِ حتى يخلو بهنَّ ويُسافِرُ بهنَّ، وهذا يكونُ بطريقِ الكَرامةِ، والزنا المَحضُ سببٌ لإيجابِ العقوبةِ، فلا يَصلحُ سببًا لإيجابِ الحُرمةِ والكرامةِ، أَلَا ترَى أنه لا يَثبتُ به النسبُ والعدَّةُ،


(١) «المغني» (٧/ ٩١)، و «كشاف القناع» (٥/ ٧٩).
(٢) قالَ الإمامُ مالكٌ في «الموطأ» (٢/ ٥٣٣): فأمَّا الزنى فإنه لا يُحرِّمُ شيئًا مِنْ ذلكَ؛ لأنَّ اللهَ قالَ: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾، فإنما حرمَ ما كانَ تَزويجًا ولم يَذكرْ تحريمَ الزنى، فكلُّ تزويجٍ كانَ على وجهِ الحَلالِ يُصيبُ صاحبُه امرأتَه فهوَ بمنزلَةِ التزويجِ الحَلالِ، فهذا الذي سَمعْتُ والذي عليهِ أمرُ الناسِ عندَنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>