للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والصَّحيحُ أنَّ المتعةَ إنَّما حرِّمتْ عامَ الفتحِ؛ لأنه قد ثبَتَ في «صَحيح مُسلمٍ» أنهم استَمتعُوا عامَ الفتحِ مع النبيِّ بإذنِه، ولو كانَ التَّحريمُ زمنَ خيبَرَ لزمَ النَّسخُ مرَّتينِ، وهذا لا عهدَ بمِثلهِ في الشَّريعةِ البتَّةَ، ولا يقعُ مثلُه فيها، وأيضًا: فإنَّ خيبَرَ لم يكنْ فيها مُسلماتٌ، وإنَّما كنَّ يهودياتٍ، وإباحةُ نساءِ أهلِ الكتابِ لم تكنْ ثبتَتْ بعدُ، إنَّما أُبِحْنَ بعدَ ذلكَ في سُورةِ المائدةِ بقَوله: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥]، وهذا مُتصِلٌ بقولِه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]، وبقولِه: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣]، وهذا كانَ في آخِرَ الأمرِ بعدَ حجَّةِ الوداعِ أو فيها، فلم تكنْ إباحةُ نساءِ أهلِ الكتابِ ثابتةً زمنَ خيبَرَ، ولا كانَ للمُسلمينَ رغبةٌ في الاستِمتاعِ بنساءِ عدوِّهم قبلَ الفتحِ، وبعدَ الفتحِ استُرقَّ مَنْ استُرقَّ منهنَّ وصِرْنَ إماءً للمسلمينَ.
فإنْ قيلَ: فما تَصنعونَ بما ثبتَ في الصَّحيحَينِ مِنْ حديثِ عليِّ ابنِ أبي طالبٍ «أنَّ رسولَ اللهِ نهَى عَنْ متعةِ النِّساءِ يومَ خيبَرَ وعَن أكلِ لُحومِ الحُمُرِ الإنسيَّةِ»، وهذا صَحيحٌ صريحٌ؟
قيلَ: هذا الحديثُ قد صحَّتْ روايتُه بلفظَينِ: هذا أحَدُهما، والثَّاني: الاقتصارُ على نهيِ النبيِّ عن نكاحِ المتعةِ وعن لحومِ الحُمُرِ الأهليةِ يومَ خيبَرَ، هذهِ روايةُ ابنِ عُيينةَ عن الزُّهريِّ، قالَ قاسمُ بنُ أصبغَ: قالَ سُفيانُ بنُ عُيينةَ: يعني أنه نهَى عن لُحومِ الحُمُرِ الأهليةِ زمنَ خيبَرَ لا عَنْ نكاحِ المُتعةِ، ذكَرَه أبو عُمرَ في «التمهيد» ثمَّ قالَ: على هذا أكثرُ الناسِ. انتهى، فتوهَّمَ بعضُ الرُّواةِ أنَّ يومَ خيبَرَ ظرفٌ لتَحريمِهنَّ فرَواهُ: «حرَّمَ رَسولُ اللهِ المتعةَ زمنَ خيبَرَ والحُمُرَ الأهليةَ»، واقتَصرَ بعضُهم على رِوايةِ بعضِ الحَديثِ فقالَ: «حرَّمَ رسولُ اللهِ المُتعةَ زمنَ خيبَرَ»، فجاءَ بالغلطِ البيِّنِ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>