للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الجَوابُ أنَّ بيْنَ كُلِّ حَديثٍ مِنْ هذهِ الأحادِيثِ وَقتٌ وزَمانٌ مُمتدٌّ ففيهِ جَوابانِ:

أحَدُهما: أنه تَحريمٌ كررَّهُ في مَواضِعَ؛ ليَكونَ أظهَرَ وأنشَرَ حتَّى يَعلمَه مَنْ لم يَكنْ قد عَلِمَه، ولأنه قد يَحضرُ في بعضِ المَواضعِ مَنْ لم يَحضُرْ مَعه في غَيرِه، فكانَ ذلكَ أبلَغَ في التَّحريمِ وأوكَدَ، فأكَّدَ ذلكَ حتَّى لا تبقَى شُبهةٌ لأحَدٍ يَدَّعي تَحليلَها.

والجَوابُ الثاني: أنها كانَتْ حَلالًا فحُرِّمَتْ عامَ خيبَرَ، ثمَّ أَباحَها بعْدَ ذلكَ لمَصلحةٍ عَلِمَها، ثمَّ حرَّمَها في حجَّةِ الوَداعِ، ولذلكَ قالَ فيها: «وهيَ حَرامٌ إلى يَومِ القِيامةِ» تَنبيهًا على أنَّ ما كانَ مِنْ التَّحريمِ المُتقدِّمِ مُوقَّتٌ تَعقَّبتْه إباحةٌ، وهذا تَحريمٌ مؤبَّدٌ لا تَتعقَّبُه إباحةٌ (١).


(١) «الحاوي الكبير» (٩/ ٣٣٠)، و «شرح صحيح البخاري» (٧/ ٢٢٦)، و «التمهيد» (١٠/ ٩٩)، وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ في «زادِ المَعادِ»: ومِمَّا وقعَ في هذهِ الغَزوةِ إباحةُ مُتعةِ النِّساءِ، ثمَّ حرَّمَها قبْلَ خُروجِه مِنْ مكَّةَ، واختُلفَ في الوقتِ الَّذي حُرِّمتْ فيه المُتعةُ عَلى أربعَةِ أقوالٍ:
أحَدُها: أنَّه يومَ خيبَرَ، وهَذا قولُ طائفةٍ مِنْ العلماءِ، مِنهم الشافعيُّ وغيرُه.
والثَّاني: أنه عامَ فتحِ مكَّةَ، وهذا قولُ ابنِ عُيينةَ وطائفةٍ.
والثالثُ: أنه عامَ حُنينٍ، وهذا في الحَقيقةِ هوَ القولُ الثَّاني؛ لاتصالِ غَزاةِ حُنينٍ بالفتحِ.
والرابعُ: أنه عامَ حجَّةِ الوَداعِ، وهوَ وهمٌ مِنْ بعضِ الرُّواةِ، سافرَ فيهِ وهمُه مِنْ فتحِ مكَّةَ إلى حجَّةِ الوداعِ، كما سافرَ وهمُ مُعاويةَ مِنْ عُمرةِ الجِعرَّانةِ إلى حجَّةِ الوَداعِ حيثُ قالَ: قصَّرتُ عن رَسولِ اللهِ بمِشقَصٍ على المَروةِ في حجَّتِه، وقد تقدَّمَ في الحجِّ، وسفرُ الوهمِ مِنْ زمانٍ إلى زمانٍ ومِن مكانٍ إلى مكانٍ ومِن واقعةٍ إلى واقعةٍ كثيرًا ما يَعرِضُ للحفَّاظِ فمَن دُونَهم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>