وأبو حَنيفةَ يَنعقدُ النكاحُ عندَه بشَهادةِ فاسِقَينِ؛ لأنَّ المَقصودَ عندَه بالشهادةِ هو الإعلانُ فقطْ، والشافعيُّ يَرَى أنَّ الشهادةَ تَتضمَّنُ المَعنيَينِ، أعني: الإعلانَ والقَبولَ، ولذلكَ اشتَرطَ فيها العَدالةَ، وأمَّا مالكٌ فليسَ تَتضمَّنُ عندَه الإعلانَ إذا وُصِّيَ الشاهِدانِ بالكِتمانِ.
وسَببُ اختِلافِهم: هل ما تقَعُ فيه الشَّهادةُ يَنطلقُ عليهِ اسمُ السرِّ أم لا؟ والأصلُ في اشتِراطِ الإعلانِ قَولُ النبيِّ ﵊:«أَعلِنُوا هذا النكاحَ، واضرِبُوا عليهِ بالدُّفوفُ» خرَّجَه أبو داودَ، وقالَ عُمرُ فيه: هذا نكاحُ السرِّ، ولو تَقدَّمتُ فيه لَرجَمْتُ (١).
وقالَ الدِّرديرُ ﵀:(وفُسخَ) نِكاحٌ (مُوصًى) بكَتمِه عن امرأةِ الزَّوجِ حالةَ العَقدِ أو قبْلَه، والمُوصِي -بالكَسرِ- هو الزَّوجُ وحْدَه أو معَ زَوجتِه الجديدةِ، والمُوصَى -بالفتحِ- هم الشُّهودُ خاصَّةً، فقَولُه:(وإنْ بكَتمِ شُهودٍ) الواو للحالِ وإنْ زائِدةٌ، فلو حذَفَهما كانَ أخصَرَ وأوضَحَ؛ لأنَّ نكاحَ السرِّ هو ما أوصَى فيه الزَّوجُ الشُّهودَ بكَتمِه عن زَوجتِه أو عن جَماعةٍ ولو أهلَ مَنزلٍ كما يأتي إذا لم يَكنِ الكَتمُ خوفًا مِنْ ظالمٍ أو نحوِه، وأمَّا إيصاءُ الوَليِّ فقطْ أو الزَّوجةِ فقط أو هُمَا الشُّهودَ دونَ الزوجِ أو اتَّفقَ الزَّوجانِ والوليُّ على الكتمِ دونَ إيصاءِ الشهودِ لم يَضُرَّ، وكذا إذا حصَلَ الإيصاءُ بكَتمِ الشهودِ بعدَ العقدِ، وأُجيبَ بأنَّ مَصَبَّ المُبالَغةِ قولُه:(عنِ امرأةٍ) للزَّوجِ مُتعلِّقٌ بكَتمٍ، وظاهِرُه ولو مع إظهارِه لامرأةٍ أخرَى، وهو ظاهِرُ غيرِه