﵂ فأجابَتْه وهي لدُونِ عَشرٍ؛ لأنها إنَّما وُلدَتْ بعد موتِ أبيها، وإنما كانَتْ ولايةُ عُمرَ عَشرًا، فكَرهَتْه الجاريةُ، فتزوَّجَها طَلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ، ولم يُنكِرْه مُنكِرٌ، فدَلَّ ذلكَ على اتِّفاقِهم على صِحةِ تزويجِها قبلَ بُلوغِها بولايةِ غيرِ أبيها، واللهُ أعلَمُ (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنه يَجوزُ لغيرِ الأبِ والجَدِّ مِنْ الأولياءِ تَزويجُ الصغيرِ والصغيرةِ؛ لقولِه تعالَى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ [النساء: ٣] الآيَة، معناهُ: في نِكاحِ اليَتامَى، وإنما يَتحقَّقُ هذا الكَلامُ إذا كانَ يجوزُ نكاحِ اليتيمةِ، وقد نُقلَ عن عائشةَ ﵂ في تأويلِ الآيةِ أنها نزَلَتْ في يَتيمةٍ تكونُ في حِجرِ وَليِّها يَرغبُ في مالِها وجمالِها ولا يُقسِطُ في صَداقَها، فنُهُوا عن نكاحِهنَّ حتَّى يَبلغُوا بهنَّ أعلَى سُنتِهنَّ في الصَّداقِ، وقالَتْ في تأويلِ قولِه تعالَى: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] أنها نزَلتْ في يتيمةٍ تكونُ في حِجرِ وليِّها ولا يُرغَبُ في نكاحِها لدَمامتِها، ولا يُزوِّجُها مِنْ غيرِه كَيلا يُشارِكَه في مالها، فأنزَلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ، فأمَرَ الأولياءَ بتزوُّجِ اليتامَى أو بتزويجِهنَّ مِنْ غيرِهم، فذلكَ دليلٌ على جوازِ تزويجِ اليتيمةِ، وزوَّجَ رَسولُ اللهِ ﷺ بنتَ عمِّه حَمزةَ ﵁ مِنْ عُمرَ بنِ أبي سَلمةَ ﵁ وهي صَغيرةٌ، والآثارُ في جوازِ ذلكَ مَشهورةٌ عن عُمرَ وعليٍّ وعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ وابنِ عُمرَ وأبي هُريرةَ رِضوانُ اللهِ عليهم.
(١) «المغني» (٧/ ٣٢، ٣٣)، و «الإفصاح» (٢/ ١٢٥)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٣٤٤).