للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ النَّوويُّ: وهو أحسَنُ الأدلَّةِ؛ لأنَّه لم يَذكُر له في هذا الحَديثِ إلا الفَرضَ (١).

وقدَّمنا أنَّ النِّيةَ فَرضٌ مِنْ فُروضِ الصَّلاةِ، ولا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ في أفضليَّةِ اقتِرانِ تَكبيرةِ الإحرامِ بالنِّيةِ.

قالَ القُرطُبيُّ: اتَّفقتِ الأمَّةُ على وُجوبِ النِّيةِ عندَ تَكبيرةِ الإحرامِ، إلا أنَّ الفُقهاءَ قد اختَلَفوا في جَوازِ تَقديمِ النِّيةِ على التَّكبيرِ (٢).

فذَهب الحَنفيَّةُ والحَنابلَةُ والمالِكيَّةُ في أحَدِ القولَينِ إلى جَوازِ تَقديمِ النِّيةِ على التَّكبيرةِ في الجُملةِ، وقالوا: لو نوَى عندَ الوُضوءِ أنَّه يُصلِّي الظُّهرَ مَثَلًا، ولم يَشتَغِل بعدَ النِّيةِ بعمَلٍ يدلُّ على الإعراضِ، كأكلٍ وشُربٍ وكَلامٍ، ونحوِها، ثم انتَهى إلى مَحَلِّ الصَّلاةِ ولم تَحضُره النِّيةُ، جازَت صَلاتُه بالنِّيةِ السابقةِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ عِبادةٌ، فجَازَ تَقديمُ نيَّتِها عليها، كالصَّومِ، وتَقديمُ النِّيةِ على الفِعلِ لا يُخرِجُه عن كَونِه مُستَوِيًا، ولا يَخرُجُ الفاعِلُ عن كَونِه مُخلِصًا، بدَليلِ الصَّومِ والزَّكاةِ إذا دَفَعَها إلى وَكيلِه، كسائرِ الأفعالِ في أثناءِ العِبادةِ.

وهذا ما يُعبِّرُ عنه الحَنفيَّةُ بالمُقارَنةِ الحُكمِيَّةِ.


(١) «البناية» (٢/ ١٠٩، ١١٠)، وابن عابدين (١/ ٤٣٧)، و «التَّمهيد» (٩/ ١٨٥)، و «بداية المجتهد» (١/ ١٧٤)، و «مختصر خليل» (١/ ٢٨)، و «تفسير القرطبي» (١/ ١٧٥)، و «فتح الباري» (٢/ ٢١٧)، و «المجموع» (٣/ ٢٤٠)، و «كفاية الأخيار» (١٤٥)، و «المغني» (٢/ ١٠)، و «كشَّاف القناع» (١/ ٣٣٠)، و «الإفصاح» (١/ ١٥٢، ١٥٣).
(٢) «تفسير القرطبي» (١/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>