للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذَهب الشافِعيَّةُ والمالِكيَّةُ في القولِ الآخَرِ إلى وُجوبِ اقتِرانِ النِّيةِ بالتَّكبيرِ؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥]، فقولُه تَعالَى: ﴿مُخْلِصِينَ﴾، حال لهم في وقتِ العِبادةِ، فإنَّ الحالَ وَصفُ هَيئةِ الفاعِلِ وقتَ الفِعلِ، والإخلاصُ هو النِّيةُ، وقالَ النَّبيُّ : «إنَّما الأَعمَالُ بِالنِّياتِ». ولأنَّ النِّيةَ شَرطٌ، لم يَجُز أن تَخلُوَ العِبادةُ منها، كسائرِ الشُّروطِ.

قالَ القاضي عَبدُ الوهَّابِ : يجبُ في نيَّةِ الصَّلاةِ أن تَكونَ مُقارِنةً لِتَكبِيرةِ الإحرامِ، سَواءٌ ابتَدَأَها مع التَّكبيرِ، أو سبقَ بها واستَصحَبَها ذاكِرًا إلى أن كبَّر، فأمَّا إن نوَى ثم نَسيَ حتى كبَّر، لا يُجزِئُه، خِلافًا لِأبِي حَنيفَةَ في قولِه: إن عَزَبَت نيَّتُه عن قُربٍ مِنْ التَّكبيرِ أجزَأَه؛ لِأَّنها تَكبيرةٌ عَزَبت عن مُقارَنةِ النِّيةِ، كالَّتي تَعزُبُ عن بُعدٍ وتُفارِقُ الوُضوءَ؛ لأنَّها في الصَّلاةِ أضيَقُ (١).

واختارَ النَّوويُّ -تَبَعًا لِإمامِ الحَرمَينِ والغَزاليِّ- الاكتِفاءَ بالمُقارنَةِ العُرفيَّةِ عندَ العَوامِّ؛ بحيثُ يُعَدُّ مُستَحضِرًا لِلصَّلاةِ اقتِداءً بالأوَّلينَ في تَسامُحِهم بذلك.

أمَّا إذا تَأخرَتِ النِّيةُ عن تَكبيرةِ الإحرامِ فلا تُجزِئُ التَّكبيرةُ، وتَكونُ الصَّلاةُ باطِلةً؛ لأنَّ الصَّلاةَ عِبادةٌ، وهي لا تَتجَزَّأُ، ولو جازَ تَأخيرُ النِّيةِ لَوقعَ البَعضُ الذي لا نيَّةَ فيه غيرَ عِبادةٍ، وما فيه نيَّةٌ عِبادةً، فيَلزمُ التَّجزُّؤُ، وبهذا قالَ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ (٢).


(١) «الإشراف على نُكت مسائل الخلاف» (١/ ٢٤٣) رقم (١٦٥).
(٢) «الاختيار» (١/ ٤٧، ٤٨)، و «مراقي الفلاح» (١١٨)، و «البحرالرائق» (١/ ٢٩٢)، و «القوانين» (٤٢)، و «حاشية العدوي» (١/ ٢٧٧)، و «مغني المحتاج» (١/ ١٥٢)، و «المغني» (٢/ ١٦)، و «الإفصاح» (١/ ١٥٣)، و «مختصر الفتاوى المصرية» (١/ ٩)، و «إعانة الطالبين» (١/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>