للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ المالِكيُّةُ إلى سُقوطِ وُجوبِ الصَّلاةِ على مَنْ زالَ عَقلُه بجُنونٍ أو إغماءٍ، إلا إذا زالَ عُذرُه المُسقِطُ لِلصَّلاةِ، وقد بَقيَ مِنْ الوقتِ الضَّروريِّ ما يَسعُ رَكعةً بعدَ تَقديرِ تَحصيلِ الطَّهارةِ المائِيَّةِ أو التُّرابيَّةِ، فإذا كانَتِ البقِيةُ لا تَسَعُ رَكعةً؛ سقطَت عنه الصَّلاةُ.

أمَّا مَنْ زالَ عَقلهُ بسُكرٍ حَرامٍ فإنَّه تَجِبُ عليه الصَّلاةُ مُطلَقًا، وكَذا النَّائِمُ والسَّاهي تَجِبُ عليهما الصَّلاةُ، فمَتى تَنبَّه السَّاهي أو استَيقظَ النَّائمُ وجبَت عليهما الصَّلاةُ على كلِّ حالٍ، سَواءٌ أكانَتِ البقيَّةُ مِنْ الوقتِ تَسعُ رَكعةً معَ فِعلِ ما يَحتاجُ إليه مِنْ الطُّهرِأو لا، بل ولو خَرجَ الوقتُ ولم يَبقَ منه شَيءٌ (١).

أمَّا الشافِعيَّةُ فقالوا: لا تَجِبُ الصَّلاةُ على مَنْ زالَ عَقلُه بجُنونٍ أو إغماءٍ أو عَتهٍ أو سُكرٍ أو مرَضٍ؛ لقولِ النَّبيِّ : «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثةٍ: … وعنِ المَجنُونِ حتى يُفِيقَ» (٢)، فنَصَّ على المَجنونِ؛ وقِيسَ عليه كلُّ مَنْ زالَ عَقلُه بسَببٍ مُباحٍ يُعذَرُ فيه، وسَواءٌ قَلَّ زَمنُ ذلك أو طالَ، إلا إذا زالَت هَذهِ الأسبابُ، وقد بَقيَ مِنْ الوقتِ الضَّروريِّ قَدرُ زَمنِ تَكبيرةٍ فأكثرَ؛ لأنَّ القَدرَ الذي يتعلَّقُ به الإيجابُ يَستويِ فيه الرَّكعةُ وما دُونَها، ولا تَلزمُه بإدراكِ ما دون تَكبيرةٍ، لكِن يُسنُّ لِلمُغمَى عليه والمَجنونِ ونحوِهما القَضاءُ.

وأمَّا إن زالَ عَقلُه بمُحَرمٍ كمَن شرِب المُسكِرَ أو تَناولَ دَواءً مِنْ غيرِ


(١) «الشرح الكبير» (١/ ١٨٤).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>