فذَهب الحَنفيَّةُ إلى التَّفريقِ بينَ أن يَكونَ زَوالُ العَقلِ بآفَةٍ سَماويَّةٍ أو بصُنعِ العَبد، فإن كانَ بآفَةٍ سَماويَّةٍ كأن جُنَّ أو أُغمِيَ عليه، ولو بفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أو آدَميٍّ، نُظِرَ، فإن كانَت فَترَةُ الإغماءِ يَومًا ولَيلَةً فإنَّه يجِبُ عليه قَضاءُ الخَمسِ، وإن زادَت على ذلك فلا قَضاءَ عليه لِلحَرجِ، ولَو أَفاقَ في زَمنِ السادِسةِ -إلَّا أن تَكونَ إفاقَتُه في وَقتٍ مَعلومٍ- فيجبُ عليه قَضاءُ ما فاتَ إن كانَ أقلَّ مِنْ يَومٍ ولَيلَةٍ، مثلَ أن يَخِفَّ عنه المَرضُ عندَ الصُّبحِ مَثلًا فيفيقَ قَليلًا ثم يُعاوِدَهُ فيُغمَى عليه، فتُعتبَرُ هذه الإفاقَةُ، ويَبطُلَ ما قبلَها مِنْ حُكمِ الإغماءِ إذا كانَ أقَلَّ مِنْ يَومٍ ولَيلَةٍ، وإن لم يَكن لإفاقَتِه وقتٌ مَعلومٌ بل يُفيقُ بَغتةً فيَتكلَّمُ بكَلامِ الأصحَّاءِ ثم يُغمَى عليه فلا عِبرةَ بهذه الإفاقَةِ.
وإن كانَ زَوالُ العَقلِ بصُنعِ الآدَميِّ، كما لو زالَ عَقلُه ببَنجٍ أو خَمرٍ أو دَواءٍ لزِمه قَضاءُ ما فاتَه وإن طالَتِ المدَّةُ.
وعندَ مُحمَّدٍ يسقطُ القَضاءُ بالبَنجِ والدَّواءِ؛ لأنَّه مُباحٌ؛ فصارَ كالمَريضِ، قالَ ابنُ عابِدينَ: والظَّاهرُ أنَّ عَطفَ الدَّواءِ على البَنجِ عَطفُ تَفسيرٍ، وأنَّ المُرادَ شُربُ البَنجِ لأجلِ الدَّواءِ، أمَّا لو شرِبه لِلسُّكرِ فيَكونُ مَعصيةً بصُنعِه كالخَمرِ، وأنَّه لو شرِب الخَمرَ على وَجهٍ مُباحٍ كإكراهٍ يَكونُ كالبَنجِ، فيَجري فيه الخِلافُ.
أمَّا النَّومُ فلا يُسقِطُ القَضاءَ؛ لأنَّه لا يَمتَدُّ يَومًا ولَيلَةً في الأغلَبِ، فلا حَرجَ في القَضاءِ بخِلافِ الإغماءِ ممَّا يَمتدُّ عادَةً (١).
(١) ابن عابدين (٢/ ١٠٢)، و «البحر الرائق» (٢/ ١٢٧).