للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانَ في أعيُنِهنَّ عَمشٌ، وقيلَ: صِغرٌ، وكانَ بعضُ الوَرعينَ لا يُنكِحونَ كرائِمَهم إلَّا بعدَ النَّظرِ؛ احتِرازًا مِنْ الغُرورِ.

قالَ الأعمَشُ: كلُّ تَزويجٍ يقَعُ على غيرِ نظَرٍ فآخِرُه هَمٌّ وغَمٌّ.

ومَعلومٌ أنَّ النَّظرَ لا يَعرفُ الخُلقَ والدِّينَ والمالَ، وإنَّما يَعرفُ الجَمالَ مِنْ القُبحِ.

ورُويَ أنَّ رَجلًا تَزوَّجَ على عهدِ عُمرَ ، وكانَ قد خضَبَ فنصَلَ خِضابُه، فاستَعدَى عليهِ أهلُ المرأةِ عُمرَ وقالُوا: حِسبْناهُ شابًّا، فأوجَعَه عُمرُ ضَربًا وقالَ: غَررْتَ القَومَ».

والغُرورُ يقَعُ في الجَمالِ والخُلقِ جَميعًا، فيُستحبُّ إزالةُ الغُرورِ في الجمالِ بالنظرِ، وفي الخُلقِ بالوَصفِ والاستِيصافِ، فيَنبغي أنْ يُقدَّمَ ذلكَ على النكاحِ، ولا يَستوصِفُ في أخلاقِها وجَمالِها إلَّا مَنْ هو بَصيرٌ صادِقٌ خَبيرٌ بالظاهرِ والباطنِ، ولا يَميلُ إليها فيُفرطَ في الثَّناءِ، ولا يَحسدُها فيُقصرَ، فالطِّباعُ مائِلةٌ في مَبادي النكاحِ ووَصفِ المَنكوحاتِ إلى الإفراطِ والتَّفريطِ، وقلَّ مَنْ يَصدقُ فيه ويَقتصدُ، بلِ الخِداعُ والإغراءُ أغلَبُ، والاحتِياطُ فيه مُهمٌّ لمَن يَخشَى على نفسِه التشوُّفَ إلى غيرِ زوْجتِه.

فأمَّا مَنْ أرادَ مِنْ الزَّوجةِ مُجردَ السُّنةِ أو الوَلدَ أو تَدبيرَ المنزلِ فلو رَغبَ عن الجَمالِ فهو إلى الزُّهدِ أقرَبُ؛ لأنهُ على الجُملةِ بابٌ مِنْ الدُّنيا، وإنْ كانَ قد يُعِينُ على الدِّينِ في حقِّ بعضِ الأشخاصِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>