وأَجابوا عن حَديثِ:«أدِّ الأَمانةَ إلى مَنْ ائتَمَنك ولا تَخُنْ مَنْ خانَك»، بأنَّ مَعنى «لا تَخُنْ» أي: لا تَخُنْ مَنْ خانَك بعدَ أنِ انتصَرتَ منه في خيانَتِه لكَ، والنَّهيُ إنَّما وقَعَ على الابتِداءِ أو ما يَكونُ في مَعنى الابتِداءِ، كأنَّه يَقولُ: ليسَ لك أنْ تَخونَه وإنْ كانَ قد خانَكَ، كما مَنْ لم يَكُنْ له أنْ يَخونَك أولًا، وأمَّا مَنْ عاقَبَ بمِثلِ ما عُوقِبَ به وأخَذَ حَقَّه فليسَ بخائِنٍ، وإنَّما الخائِنُ مَنْ أخَذَ ما ليسَ له أو أكثَرَ ممَّا له (١).
وأمَّا الشافِعيةُ فقالَ منهم الإِمامُ الشِّيرازيُّ ﵀: فَصلٌ: ومَن وجَبَ له حَقٌّ على رَجلٍ وكانَ مُمتنِعًا من أَدائِه فإنْ لم يَقدِرْ على أخذِه بالحاكِمِ، فله أنْ يأخُذَ مِنْ مالِه؛ لقَولِه ﷺ:«لا ضَررَ ولا ضِرارَ»، وفي مَنعِه من أخذِ مالِه في هذه الحالِ إِضرارٌ به.
وإنْ كانَ يَقدِرُ على أخذِه بالحاكِمِ بأنْ تَكونَ له عليه بَيِّنةٌ ففيه وَجهانِ:
أَحدُهما: أنَّه لا يَجوزُ أنْ يأخُذَه؛ لأنَّه يَقدِرُ على أخذِه بالحاكِمِ فلم يَجزْ أنْ يأخُذَه بنَفسِه.
والثانِي: وهو المَذهبُ أنَّه يَجوزُ؛ لأنَّ هِندَ قالَت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أَبا سُفيانَ رَجلٌ شَحيحٌ، وإنَّه لا يُعطيني ما يَكفيني ووَلدي إلا ما آخُذُه سِرًّا.
(١) «التمهيد» (٢٠/ ١٥٩، ١٦٠)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٦/ ٥٨٥، ٥٨٦)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ١١٨)، و (٧/ ٢٣٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٣٩، ١٤٠)، (٦/ ١٥٥، ١٥٦)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٢٧٧، ٢٨٠)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٦١، ٣٦٢)، و «بلغة السالك» (٣/ ٣٦٠)، و «منح الجليل» (٨/ ٥٥٠).