للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَوى ابنُ سَماعةَ في نَوادرِه عن مُحمدٍ أنَّه لا يَبرأُ ما لم يَرضَ مَنْ اختارَ تَضمينَه أو يُقضَى به عليه.

وَجهُ رِوايةِ «النَّوادِر» أنَّ عندَ وُجودِ الرِّضا أو القَضاءِ بالضَّمانِ صارَ المَغصوبُ مِلكًا للذي ضمِنَه؛ لأنَّه باعَه منه فلا يَملِكُ الرُّجوعَ بعدَ تَمليكِه، كما لو باعَه من الأولِ.

فأمَّا قبلَ وُجودِ الرِّضا أو القَضاءِ فلم يُوجَدْ منه التَّمليكُ من أَحدِهما فله أنْ يَملكَه من أيِّهما شاءَ.

وَجهُ رِوايةِ «الجامِع» ما ذَكَرنا أنَّه باختيارِه تَضمينَ الغاصِبِ الآخَرِ أظهَرَ أنَّه راضٍ بأخذِ الأولِ، وأنَّه بمَنزِلةِ المُودَعِ، وباختيارِ تَضمينِ الأولِ أظهَرَ أنَّ الثانِي ما أتلَفَ عليه شَيئًا؛ لأنَّه لم يُفوِّتْ يَدَه، واللهُ أعلَمُ (١).

وكذلك الحُكمُ عندَ المالِكيةِ أنَّ غاصِبَ الغاصِبِ كالغاصِبِ، فإنْ تلِفَ المَغصوبُ عندَه فللمالِكِ تَضمينُ أيِّهما شاءَ، ويَستقِرُّ الضَّمانُ على الثاني؛ لأنَّه المُباشِرُ للتَّلفِ (٢).

وقالَ الشافِعيةُ: كلُّ يَدٍ تَرتَّبَت على يَدِ الغاصِبِ فهي يَدُ ضَمانٍ، فإذا غصَبَ الغاصِبُ شَيئًا فغصَبَه منه آخَرُ يَتخيَّرُ المالِكُ عندَ التَّلفِ بينَ مُطالبةِ


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٤٤، ١٤٥)، و «الدر المختار» (٦/ ١٩٧)، و «غمز عيون البصائر» (٢/ ٢٠٧)، و «مجمع الأنهر» (٤/ ٨٩)، و «مجمع الضمانات» (١/ ٢٩١).
(٢) هذا مَفهومُ كَلامِهم كما في «تحبير المختصر» (٤/ ٣٨١)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>