وأمَّا تَضمينُه الثانِي فلأنَّه فوَّتَ يَدَ الغاصِبِ الأولِ، ويَدُه يَدُ المالِكِ من وَجهٍ؛ لأنَّه يَحفظُ مالَه ويَتمكَّنُ من رَدِّه على المالِكِ، ويَستقرُّ بهما الضَّمانُ في ذِمتِه، فكانَت مَنفعةُ يَدِه عائِدةً إلى المالِكِ، فأشبَهَت يَدَ المُودَعِ، وقد وُجدَ من كلِّ واحِدٍ منهما سَببُ وُجوبِ الضَّمانِ، إلا أنَّ المَضمونَ واحِدٌ، فخيَّرْنا المالِكَ لتَعيُّنِ المُستحَقِّ، فإنِ اختارَ أنْ يُضمِّنَ الأولَ رجَعَ بالضَّمانِ على الثاني؛ لأنَّه ملَكَ المَغصوبَ من وَقتِ غَصبِه، فتَبيَّنَ أنَّ الثانِي غصَبَ مِلكَه، وإنِ اختارَ تَضمينَ الثانِي لا يَرجعُ على أحدٍ؛ لأنَّه ضمِنَ بفِعلِ نَفسِه، وهو تَفويتُ يَدِ المالِكِ من وَجهٍ على ما بيَّنَّا، وكذلك إنِ استَهلكَه الغاصِبُ الثاني.
قالَ الكاسانِيُّ ﵀: ومَتى اختارَ تَضمينَ أَحدِهما، هل يَبرأُ الآخَرُ عن الضَّمانِ بالاختيارِ نَفسِه؟ ذكَرَ في «الجامِع» أنَّه يَبرأُ، حتى لو أَرادَ تَضمينَه بعدَ ذلك لم يَكُنْ له ذلك.