فأمَّا الغَنمُ والشَّجرُ والطَّيرُ ونَحوُها فلا شَيءَ فيها؛ لأنَّه لا مَنافعَ لها يَستحِقُّ بها عِوضًا، ولو غصَبَ جاريةً ولم يَطأَها ومَضَت عليها مُدةٌ يُمكِنُ الوَطءُ فيها لم يَضمَنْ مَهرَها؛ لأنَّ مَنافعَ البُضعِ لا تَتلَفُ إلا بالاستِيفاءِ بخِلافِ غيرِها، ولأنَّها لا تُقدَّرُ بزَمنٍ فيَكونُ مُضيُّ الزَّمانِ يُتلِفُها بخِلافِ المَنفعةِ (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّه لا يَلزمُه الأُجرةُ مُدةَ مُقامِها عندَه وإنِ استَعمَلها؛ لأنَّ المَنافعَ لا تُضمَنُ بالغَصبِ إلا أنْ يَنقُصَ باستِعمالِه فيَغرَمَ النُّقصانَ.
فإذا غصَبَ دارًا فسكَنَها أو عَبدًا فاستَعمَله أو دابةً فركِبَها فلا أُجرةَ للمالِك، سَواءٌ استَوفاها أو لم يَستَوفِها؛ لأنَّها حصَلَت على مِلكِ الغاصِبِ لحُدوثِها في إِمكانِه -أي: تَصرُّفِه وقُدرتِه وكَسبِه-؛ إذْ هي لم تَكُنْ حادِثةً في يَدِ المالِكِ؛ لأنَّها أَعراضٌ لا تَبقَى فيَملكُها دَفعًا لحاجَتِه، والإِنسانُ لا يَضمنُ مِلكَه، كيف وهو لا يَتحقَّقُ غَصبُها وإِتلافُها لأنَّه لا بَقاءَ لها، ولأنَّها لا تُماثِلُ الأَعيانَ لسُرعةِ فَنائِها وبَقاءِ الأَعيانِ؟ ولا نُسلِّمُ بأنَّها مُتقوَّمةٌ في ذاتِها، بل تُقوَّمُ ضَرورةً عندَ وُرودِ العَقدِ، ولم يُوجَدِ العَقدُ، إلا أنَّ ما انتقَصَ باستِعمالِه مَضمونٌ عليه لاستِهلاكِه بَعضَ أَجزاءِ العَينِ.
(١) «المغني» (٥/ ١٦٩)، و «المبدع» (٥/ ١٨٥)، و «الإنصاف» (٦/ ٢١، ٢٠٢)، و «شرح الزركشي» (٢/ ١٦٣، ١٦٤).