أمَّا ما لا مَنفعةَ له أو كانَت مما لا يَجوزُ استِئجارُه لها كحَبةِ حِنطةٍ وكَلبٍ وآلةِ لَهوٍ فلا أُجرةَ له، ولو اصطادَ الغاصِبُ بالكَلبِ شَيئًا فهو له، كما لو اصطادَ بشَبكةٍ أو قَوسٍ غصَبَهما ونصَبَهما؛ لأنَّه آلةٌ فقط، بخِلافِ ما لو غصَبَ رَقيقًا واصطادَ له، فإنَّه يَضمَنُ صَيدَه إنْ وضَعَ يَدَه عليه؛ لأنَّه على مِلكِ مالِكِه وأُجرتَه أيضًا؛ إذْ ربَّما استَعمَله مالِكُه في غيرِ ذلك (١).
وقالَ الحَنابِلةُ: متى كانَ للمَغصوبِ أجرٌ فعلى الغاصِبِ أجرُ مِثلِه مُدةَ مُقامِه في يَدِه، سَواءٌ استَوفَى المَنافعَ أو ترَكَها تَذهبُ؛ لأنَّ كلَّ ما ضمِنَه بالإِتلافِ في العَقدِ الفاسِدِ جازَ أنْ يَضمنَه بمُجردِ الإِتلافِ كالأَعيانِ، ولأنَّه أتلَفَ مُتقوَّمًا فوجَبَ ضَمانُه كالأَعيانِ، أو نَقولُ: مالٌ مُتقوَّمٌ مَغصوبٌ، فوجَبَ ضَمانُه كالعَينِ، وأمَّا حَديثُ:«الخَراجُ بالضَّمانِ» فوارِدٌ في البَيعِ ولا يَدخلُ فيه الغاصِبُ؛ لأنَّه لا يَجوزُ له الانتِفاعُ بالمَغصوبِ بالإِجماعِ، ولا يُشبهُ الزِّنا لأنَّها رَضيَت بإِتلافِ مَنافعِها بغيرِ عِوضٍ ولا عَقدٍ يَقتَضي العِوضَ، فكانَ بمَنزِلةِ مَنْ أعارَه دارَه، ولو أكرَهَها عليه لزِمَه مَهرُها.
وهذا فيما له مَنافعُ تُستَباحُ بعَقدِ الإِجارةِ كالعَقارِ والثِّيابِ والدَّوابِّ ونَحوِها.
(١) «البيان» (٧/ ١١)، و «النجم الوهاج» (٥/ ١٩٣)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٠٣، ٣٠٤)، و «تحفة المحتاج» (٧/ ٥٧)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ١٩٤)، و «الديباج» (٢/ ٣٩٢).