للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لو غصَبَ حِنطةً فطحَنَها أو شاةً فذبَحَها وشَواها أو حَديدًا فعمِلَه سَكاكينَ وأَوانِيَ أو خَشبةً فنَجَرها بابًا أو تابوتًا أو ثَوبًا فقطَعَه وخاطَه لم يَملِكْها، ولم يَزُلْ مِلكُ صاحِبِها عنها، ويأخُذُه وأَرشَ نَقصِه ولا شَيءَ للغاصِبِ في زِيادتِه؛ لمَا رُويَ عن عُمارةَ بنِ حارِثةَ الضَّمريِّ عن عَمرِو بنِ يَثرِبيِّ الضَّمريِّ، قالَ: «شهِدتُ خُطبةَ النَّبيِّ بمِنًى، فكانَ فيما خطَبَ به قالَ: «ولا يَحلُّ لأحدٍ من مالِ أَخيه إلا ما طابَت به نَفسُه». فلمَّا سمِعَه قالَ ذلك، قالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرأيتَ لو لقِيتُ غَنمَ ابنِ عَمِّي، فأخَذتُ منه شاةً، فاجتَزَرتُها، فعلَيَّ في ذلك شَيءٌ؟ قالَ: «إنْ لَقيتَها نَعجةً تَحمِلُ شَفرةً وزِنادًا بخَبتِ الجَميشِ فلا تَمسَّها». قيلَ: هي أرضٌ بينَ مَكةَ والجارِ، أرضٌ ليس بها أَنيسٌ» (١). الجَميشُ: صَحراءُ بينَ مَكةَ والحِجازِ قَليلةُ الساكِنِ، يُريدُ أنْ إذا لقِيتَها بهذا المَوضعِ المُهلِكِ ومعها شَفرةٌ وهي السِّكينُ وزِنادٌ، وهي المِقدَحةُ، فلا تَتعرَّضْ لها (٢).

ولأنَّ عَينَ مالِ المَغصوبِ منه قائِمةٌ فلزِمَ رَدُّها إليه، كما لو ذبَحَ الشاةَ ولم يَشوِها، ولأنَّه لو فعَلَه بمِلكِه لم يَزُلْ عنه، فإذا فعَلَه بمِلكِ غيرِه لم يَزُلْ


(١) رواه أَحمد في «مسنده» (١٥٥٢٧)، والبيهقي في «الكبرى» (١١٣٠٥)، والدارقطني (٢٩٢١).
(٢) «الحاوي الكبير» (٧/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>