وقالَ الإِمامُ ابنُ القَيمِ ﵀: اللَّقيطُ لو ادَّعاه اثنانِ ووصَفَ أَحدُهما عَلامةً مَستورةً في جَسدِه قُدمَ في ذلك وحُكمَ له، وهذا مَذهبُ أَحمدَ وأَبي حَنيفةَ.
وقالَ الشافِعيُّ: لا يُحكمُ بذلك، كما لو ادَّعيا عَينًا سِواه ووصَفَ أَحدُهما فيه عَلاماتٍ خَفيةً.
والمُرجِّحونَ له بذلك فرَّقوا بينَهما بأنَّ ذلك نَوعُ التِقاطٍ فقُدمَ بالصِّفةِ كلُقطةِ المالِ، وقد دلَّ عليها النَّصُّ الصَّحيحُ الصَّريحُ، وقِياسُ اللَّقيطِ على لُقطةِ المالِ أَولى مِنْ قِياسِه على دَعوى غيرِه مِنْ الأَعيانِ، على أنَّ في دَعوى العَينِ إذا وصَفَها أَحدُهما بما يَدلُّ ظاهِرًا على صِدقِه نَظرًا، وقياسُ المَذهبِ في مَسألةِ تَداعي الزَّوجينِ تَرجيحُ الواصِفِ إذًا.
وقد جَرى لنا نَظيرُ هذه المَسألةِ سَواءٌ، وهو أنَّ رَجلَينِ تَداعَيا صرَّةً فيها دَراهمُ فسأَلَ وَليُّ الأَمرِ أَحدَهما عن صِفتِها فوصَفَها بصِفاتٍ خَفيَّةٍ فسأَلَ الآخرَ فوصَفَها بصِفاتٍ أُخرى، فلمَّا اعتُبِرَت طابَقَت صِفاتِ الأَولِ لها وظهَرَ كَذبُ الآخرِ، فعلِمَ وَليُّ الأَمرِ والحاضِرونَ صِدقَه في دَعواه وكِذبَ صاحِبِه فدفَعَها إلى الصادِقِ، وهذا قد يَقوى بحيثُ يُفيدُ القَطعَ، وقد يَضعفُ وقد يَتوسَّطُ (١).
وأما الشافِعيةُ فقالَ الإِمامُ العِمرانِيُّ ﵀:«وإنِ ادَّعى رَجلانِ نَسبَ لَقيطٍ، وذكَرَ أَحدُهما في اللَّقيطِ عَلامةً، مِنْ خالٍ في بَدنِه، أو شامَةٍ، وما أشبَهَ ذلك، ولمْ يَذكرِ الآخرُ ذلك لمْ يُقدمِ الواصِفُ له بذلك».