يُختَلى خِلاها، وغيرُ ذلك ممَّا خُصَّت به مِنْ أنَّه لَم يَستبحْ دِماءَهم ولا أَموالَهم، ولا جَرى فيهم الرِّقُ كغيرِهم.
ومِن الحُجةِ أيضًا لذلك أنَّ المُلتقطَ إنَّما يَتملَّكُ اللُّقطةَ في غيرِ مَكةَ بعدَ الحَولِ؛ حِفظًا لها على ربِّها وحِرزًا لها؛ لأنَّه لا يَقدرُ على إِيصالِها إليه، ويَخشى تَلفَها، فيتَملَّكُها وتَتعلقُ قِيمتُها بذمتِه، ولُقطةُ مَكةَ يُمكنُ إِيصالُها إلى ربِّها؛ لأنَّه إنْ كانَ مِنْ أَهلِ مَكةَ فإنَّ مَعرفتَه تَقربُ، وإنْ كانَ غَريبًا لا يُقيمُ بها فإنَّه يَعودُ إليها بنفسِه، أو يَقدرُ على مَنْ يَسيرُ إلى مَكةَ مِنْ أَهلِ بلدِه فيَتعرَّفُ له ذلك؛ لأنَّها تُقصَدُ في كلِّ عامٍ مِنْ أَقطارِ الأَرضِ، فإذا كانَت اللُّقطةُ فيها مُعرَّضةً للإِنشادِ أبدًا أو شكَّ أنْ يَجدَها باغِيها ويَصلَ إليها ربُّها، فهذا الفَرقُ بينَ مَكةَ وسائِرِ البِلادِ.
فالمَعنى فيه أنَّ حَرمَ مَكةَ -شرَّفَها اللهُ تَعالى- مَثابةٌ للنَّاسِ، يَعودونَ إليه المَرةَ بعدَ الأُخرى، فرُبما يَعودُ مالِكُها مِنْ أَجلِها، أو يَبعثُ في طَلبِها، فكأنَّه جعَلَ مالَه به مَحفوظًا عليه كما غَلُظَت الديَّةُ فيه.
قالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ: مَحلُّ الخِلافِ في المُتموَّلِ، أما غيرُه فيَستبدُّ به واجِدُه كما هو ظاهِرٌ، وإنْ لَم أرَ مَنْ تَعرَّضَ له …