قالَ الماوِرديُّ ﵀: وفي المُنشدِ تَأويلانِ:
أَحدُهما -وهو قولُ أَبي عُبيدٍ-: أنَّه صاحِبُها الطالِبُ، والناشِدُ هو المُعرِّفُ الواجِدُ لها، قالَ الشاعِرُ:
يَصيخُ للنَّبأةِ أَسماعَه إِصاخةَ النَّاشِدِ للمُنشِدِ
فكأنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: لا يَحلُّ لأَحدٍ أنْ يَتملَّكَها إلا صاحِبُها التي هي له دونَ الواجِدِ.
والتَّأويلُ الثانِي -وهو قَولُ الشافِعيِّ-: أنَّ المُنشِدَ الواجِدُ المُعرِّفُ، والناشِدُ هو المالِكُ الطالِبُ، ورُويَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ سمِعَ رَجلًا يَنشدُ ضالَّةً في المَسجدِ فقال: «أيُّها الناشِدُ غَيرُك الواجِدُ»، مَعناه: لا وجَدتَ، كأنَّه دَعا عليه، فعلى هذا التَّأويلِ مَعنى قَولِه: «لا تَحلُّ لُقطتُها إلا لمُنشِدٍ» أي: لمُعرِّفٍ يُقيمُ على تَعريفِها ولا يَتملَّكُها، فكانَ في كلا التَّأوِّيلينِ دَليلٌ على تَحريمِ تَملُّكِها، ولأنَّ مَكةَ لمَّا بايَنَت غيرَها في تَحريمِ صَيدِها وشَجرِها تَغليظًا لحُرمتِها بايَنَت غيرَها في مِلكِ اللُّقطةِ، ولأنَّ مَكةَ لا يَعودُ الخارِجُ مِنها غالبًا إلا بعدَ حَولٍ إنْ عادَ، فلَم يَنتشرْ إِنشادُها في البِلادِ كلِّها، فلذلك وجَبَ عليه إِدامةُ تَعريفِها، ولا فرقَ بينَ مكةَ وبينَ سائِرِ الحَرمِ؛ لاستِواءِ جَميعِ ذلك في الحُرمةِ (١).
(١) «الحاوي الكبير» (٨/ ٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute