للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لصاحِبِها، فإنِ التَقطَها عرَّفَها أَبدًا حتى يَأتِيَ صاحَبُها؛ لما رُويَ عن النَّبيِّ أنَّه «نَهى عن لُقطِ الحاجِّ» (١)، ولقَولِ النَّبيِّ في مَكةَ: «ولا تحِلُّ لُقطتُها إلا لمُنشِدٍ» (٢)، وفي رِوايةٍ «ولا تحِلُّ ساقِطتُها إلا لمُنشِدٍ» (٣)، ولخبَرِ الصَّحيحينِ: «إنَّ هذا البَلدَ حرَّمَه اللهُ، لا يُعضَدُ شَوكُه ولا يُنفَّرُ صَيدُه ولا يَلتقطُ لُقطتَه إلا مَنْ عرَّفَها» (٤)، فقَولُه : «لا تِحلُّ لُقطتُه إلا لمُنشدٍ» أي: لا تَحلُّ لُقطتُها لمَن يُريدُ أنْ يُعرِّفَها سَنةً ثُم يَتملَّكُها كما في باقِي البِلادِ، بل لا تَحلُّ إلا لمَن يُعرِّفُها أبدًا ولا يَتملَّكُها.

ففرَّقَ النَّبيُّ بينَها وبينَ غيرِها، وأَخبَرَ أنَّها لا تَحلُّ إلا للتَّعريفِ لا للانتِفاعِ بها، ولَم يُوقِّتْ في التَّعريفِ بسَنةٍ كغيرِها، فدَلَّ على أنَّه أَرادَ التَّعريفَ على الدَّوامِ، وإلا فلا فائِدةَ في التَّخصيصِ.

فلو كانَ حُكمُ لُقطةِ مَكةَ حُكمَ غيرِها ما كانَ لقَولِه : «لا تَحلُّ لُقطتُها إلا لمُنشِدٍ» مَعنى تَختصُّ به مَكةُ كما تَختصُّ بسائِرِ ما وكِّدَ في هذا الحَديثِ؛ لأنَّ لُقطةَ غيرِها كذلك يَحلُّ لمُنشِدِها بعدَ الحَولِ الانتِفاعُ بها، فدَلَّ مَساقُ هذا الحَديثِ كلِّه على تَخصيصِ مَكةَ ومُخالفةِ لُقطتِها لغيرِها مِنْ البُلدانِ، كما خالَفَتها في كلِّ ما ذُكرَ في الحَديثِ، مِنْ أنَّها حَرامٌ لا تَحلُّ لأَحدٍ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بعدَ النَّبيِّ ، وأنَّه لا يُنفَّرُ صَيدُها، ولا


(١) أخرجه مسلم (١٧٢٤).
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٥٩).
(٣) أخرجه البخاري (٢٣٠٢)، ومسلم (١٣٥٥).
(٤) أخرجه البخاري (١٥١٠)، ومسلم (١٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>