للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربُّها ضمِنَها له في التَّصدُّقِ بها عن ربِّها وفي التَّملُّكِ، ولا فَرقَ على المَشهورِ بينَ لُقطةِ مَكةَ وغيرِها مِنْ الأَقطارِ في هذه الأَوجهِ الثَّلاثةِ.

واستدَلُّوا على ذلك ما ثبَتَ في الحَديثِ: «عرِّفْها سَنةً، فإنْ جاءَ صاحَبُها وإلا فشَأنَك بها»، وفي الصَّحيحِ: «فإنْ لَم يَعرِفْ فاستَنفِقْها»، وفي النِّسائيِّ: «فإنْ لَم يَأتِ صاحِبُها فهو مالُ للهِ يُؤتِيه مَنْ يَشاءُ»، فتَضمَّنَت هذه الأَحاديثُ أنَّ الحُكمَ فيها بعدَ الحَولِ خِلافُه قَبلُه وله أنْ يَتصرفَ فيها لنفسِه، والذي يَقتَضيه قَولُ ابنِ القاسِمِ في «المُدونة» أنَّ له أنْ يَنتفعَ بها غنيًّا كانَ أو فَقيرًا؛ لأنَّ كلَّ ما صحَّ أنْ يُملكَ بالعِوضِ صحَّ أنْ يُملكَ باللُّقطةِ كالفَقيرِ.

وهذا التَّخييرُ إذا كانَ المُلتقِطُ غيرَ الإِمامِ، أما الإِمامُ فليسَ له إلا حبسُها أو بيعُها لصاحِبِها ووضعُ ثَمنِها في بيتِ المالِ، وليسَ له التَّصدقُ بها ولا تَملُّكُها لمَشقَّةِ خلاصِ ما في ذمتِه بخِلافِ غيرِه (١).

وقالَ الشافِعيةُ: إذا عرَّفَ المُلتقِطُ اللُّقطةَ سَنةً ولَم يَأتِ صاحبُها فهو مُخيَّرٌ بينَ أَمرينِ:

أنْ يَحفظَها على صاحِبِها إلى أنْ يَظهرَ.

أو أنْ يَختارَ تملُّكَها على الصَّحيحِ مِنْ المَذهبِ بلَفظٍ ك «تمَلكتُ ما التَقطُّه»؛ لأنَّه تملَّكَ بعوضٍ فافتَقرَ إلى اختِيارِ التملُّكِ كالبَيعِ.


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٢٦٧، ٢٦٨)، رقم (١١١٠)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٣٨، ٣٩)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٢٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٥٢٨، ٥٢٩)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>