للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيلَ تَكفي النِّيةُ مِنْ غيرِ لَفظٍ، وقيلَ: يَملكُ اللُّقطةَ بمُضيِّ السَّنةِ وإنْ لَم يَختَرْ تَملكَها؛ لأنَّ سَببَ التَّملكِ هو التَّعريفُ، فإذا وجَدَ السَّببَ حصلَ المُلكُ كالاصطِيادِ والاحتِشاشِ وإِحياءِ المواتِ.

فإنْ اختارَ تملُّكَها ملَكَها، سَواءٌ كانَ الواجِدُ غنيًّا أو فَقيرًا، وسَواءٌ كانَ مِنْ آل النَّبيِّ أو مِنْ غيرِهم؛ لما رُويَ في حَديثِ زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهنيِّ: «أنَّ النَّبيَّ سُئلَ عن اللُّقطةِ فقالَ: عرِّفْها سَنةً، فإنْ جاءَ صاحِبُها، وإلا فشَأنَك بها» أي: افعَلْ بها ما تَشاءُ، ففوَّضَ الأَمرَ إلى خِيرتِه، ورُويَ: «وإلا فاستَنفِعْ بها» ولَم يُفرِّقْ بينَ الغنيِّ والفَقيرِ.

«ورَوى أُبيُّ بنُ كَعبٍ قالَ: وجَدتُ صُرةً فيها مِائةُ دِينارٍ، فأتَيتُ النَّبيَّ ، فقالَ: «عرِّفْها حَولًا» ثُم أَتَيتُه، فقالَ: «عرِّفْها حَولًا» -مَرتينِ أو ثَلاثًا- إلى أنْ قالَ: «اعرِفْ عَددَها ووِعاءَها ووِكاءَها، فإنْ جاءَ صاحِبُها، وإلا فاستَمتِعْ بها».

قالَ الشافِعيُّ: (وأُبيُّ بنُ كَعبٍ مِنْ أَيسرِ أَهلِ المَدينةِ، أو كأَيسرِهم).

ولأنَّ مَنْ صحَّ أنْ يَملكَ بالقَرضِ صحَّ أنْ يَملكَ اللُّقطةَ كالفَقيرِ، وعَكسُه العَبدُ.

فإذا تملَّكَها وظهَرَ المالِكُ واتَّفَقا على ردِّ عَينِها فذاك؛ إذ الحقُّ لهما لا يَعدُوهما، ويَجبُ على المُلتقِطِ ردُّها عليه قبلَ الطَّلبِ على الأَصحِّ، ومُؤنةُ الردِّ بعدَ التَّملُّكِ على المُلتقِطِ؛ لأنَّه قبَضَ العَينَ لغَرضِ نفسِه، وقبِلَه على المالِكِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>