فإنْ أخَذَها ليَحفظَها على مالِكِها فإنَّ مُؤنةَ التَّعريفِ لا تَجبُ عليه، بل يُرتِّبُها القاضِي مِنْ بَيتِ المالِ، فيَرفعُ الأَمرَ إلى القاضِي ليَبذُلَ أُجرتَه مِنْ بَيتِ المالِ أو يَقترضَ على المالِكِ، أو يَأمرَ المُلتقِطَ به ليَرجعَ كما في هَربِ الجمالِ، أو أنْ يَبيعَ بَعضَها فيه؛ لأنَّ القَصدَ بأَخذِها رِعايةُ مَصلحةِ المالِكِ.
وهذا على القَولِ أنَّه يَجبُ التَّعريفُ إذا أخَذَها للحِفظِ على مالِكِها.
وأمَّا على القَولِ الآخرِ أنَّه لا يَجبُ عليه التَّعريفُ إذا أخَذَها للحِفظِ على مالِكِها فالمُلتقِطُ مُتبَرعٌ إنْ عرَّفَ، وللقاضِي أنْ يَأمرَ المَلتقِطَ بصَرفِ المُؤنةِ مِنْ مالِه ليَرجعَ على المالِكِ، أو يَبيعَ بَعضَها إنْ رآه كما لو هرَبَ الجمالُ.
وإنْ ظهَرَ مالِكُها، فهل هي على المُلتقِطِ لقَصدِه التَّملُّكَ أم على المالِكِ لعَودِ الفائِدةِ إليه؟ فيه وَجهانِ، أَصحُّهما أَولُهما: أنَّها على المُلتقِطِ.
ولو قصَدَ الأَمانةَ أولًا ثُم قصَدَ التَّملُّكَ ففيه الوَجهانِ (١).
وقالَ الإِمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: للمُلتقِطِ أنْ يَتوَلى تَعريفَ اللُّقطةِ بنَفسِه، وله أنْ يَستنيبَ فيه، فإنْ وجَدَ مُتبَرعًا بذلك وإلا إنْ احتاجَ إلى أَجرٍ فهو على المُلتقِطِ، وبهذا قالَ الشافِعيُّ وأَصحابُ الرَّأيِ، واختارَ أَبو
(١) «روضة الطالبين» (٤/ ٢١٧)، ويُنْظَر: «أسنى المطالب» (٢/ ٤٩٢)، و «النجم الوهاج» (٦/ ٣٣)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٥١٥، ٥١٦)، و «الديباج» (٢/ ٥٦٢).