للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا الشافِعيةُ: فاختَلفَ النَّقلُ عن الإمامِ الشافعِيِّ في ذلك، فرَوى المُزنِيُّ عنه أنَّه قالَ: «لا أُحبُّ لأحدٍ تَركَ لُقطةٍ وجَدَها إذا كانَ أَمينًا عليها» فهذا يَقتَضي استِحبابَ أَخذِها دونَ إِيجابِه.

وقالَ في «الأُمّ»: «ولا يَجوزُ لأحدٍ تَركُ اللُّقطةِ إذا وجَدَها»، فظاهِرُ هذا القولِ يدلُّ على إِيجابِ أَخذِها؛ لقولِه تَعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١].

قالَ الماوِرديُّ والعِمرانِيُّ: فاختَلفَ أَصحابُ الشافِعيِّ لاختِلافِ هذين الظَّاهرينِ، فمنهم كأبي الحَسنِ القطَّانِ وغيرِه يَقولونَ: فيه قَولانِ:

أحدُهما: أنَّ أَخذَها استِحبابٌ وليسَ بواجبٍ لمن وثِقَ بأَمانةِ نفسِه، وهو المَذهبُ، وعلى ظاهرِ ما نصَّ عليه في هذا المَوضعِ؛ لِأنَّه غيرُ مُؤتمَنٍ عليها ولا مُستودِعٍ لها؛ لأنَّ ذلك أَمانةٌ فلَم يَجبْ عليه أَخذُها، كقَبولِ الوَديعةِ.

والقولُ الثانِي: أنَّ أَخذَها واجبٌ، وتَركَها مَأثمٌ؛ لقولِه تَعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١]، وإذا كانَ وليًّا عليه وجَبَ عليه حِفظُ مالِه، ولأنَّه كما وجَبَ عليه حِراسةُ نفسِ أَخيه المُسلِمِ، وجَبَ عليه حِراسةُ مالِ أَخيه المُسلِمِ؛ لقولِ النبِيِّ : «حُرمةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>