مالِ المُؤمنِ كحُرمةِ دمِه» (١). فلو خافَ على دمِه وقدَرَ على الدفعِ عنه لوجَبَ عليه ذلك، فكذلك إذا خافَ على مالِه.
وقالَ جُمهورُ أَصحابِ الشافِعيِّ كأَبي العَباسِ وأَبي إِسحاقَ وغيرِهما: ليسَ ذلك على قَولينِ، إنما هو على اختِلافِ حالَينِ:
فالمَوضعُ الذي قالَ:(يُستحبُ له أَخذُها ولا يَجبُ عليه) أرادَ به إذا وجَدَها في بلدٍ أو قَريةٍ أو مَحلةٍ يَعلمُ أمانةَ أهلِها؛ لأنَّ ترْكَ أخذِها لا يَكونُ تغريرًا بها؛ لأنَّ غيرَه يَقومُ مقامَه في حِفظِها، فجَرى مَجرى الصَّلاة على الجِنازةِ، ودَفنِ الميِّتِ إذا كانَ هناك مَنْ يَقومُ بها غيرُه.
والمَوضعُ الذي قالَ (يَجبُ عليه أَخذُها) أرادَ: إذا وجَدَها في بلدٍ أو قَريةٍ أو مَحلةٍ يَعلمُ أنَّ أهلَها غيرُ ثِقاتٍ، أو وجَدَها في مَسلكٍ يَسلكُه أَخلاطُ الناسِ؛ لأنَّ في تَركِها تَغريرًا بها، ويَأخذُها غيرُه ممَّن لا يُؤدِّي الأَمانةَ فيها، ولِما في ذلك من التَّعاونِ.
وعلى كِلا الحالَينِ لا يُكرَه له أَخذُها إذا كانَ أمينًا عليها.
وحُكيَ عن ابنِ عبَّاسٍ وعبدِ اللهِ بن عمَرَ ﵄ أنَّهما كرِهَا أخذَها، ورُويَ أنَّ شُرَيحًا مرَّ بدِرهمٍ فلَم يَعرِضْ له، وفي هذا القَولِ إِبطالُ التَّعاونِ وقطعُ المَعروفِ، وقد أخَذَ أُبيُّ بنُ كعبٍ الصُّرةَ التي وجَدَها، وأخَذَ علِيٌّ ﵁ الدِّينارَ، وأخبَرا به النَّبيَّ ﷺ فلَم يُنكرُ ذلك عليهما ولا
(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه البزار في «مسنده» (١٦٩٩)، والدارقطني (٢٩٢٦).