تَعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]، ولا يَجبُ عليه قَبولُها؛ لأنَّه لا ضَرورةَ به تَدعو إلى ذلك.
وضَربٌ يَجبُ عليه قَبولُها، وهو أنْ يَأتِيَ رَجلٌ بمالٍ ليُودعَه في مَكانٍ عندَ رَجلٍ، وليسَ هناك مَنْ يَصلُحُ لحِفظِها إلا هو، وهو يَعلمُ أنه إنْ لمْ يَقبلْ ذلك منه هلَكَ المالُ، فيَجبُ عليه القَبولُ؛ لقَولِه ﷺ:«حُرمةُ مالِ المُؤمنِ كحُرمةِ دمِه»(١)، فلو خافَ على دَمِه وقدِرَ على الدَّفعِ عنه لوجَبَ عليه ذلك، وكذلك مالُه، فإنْ لمْ يَقبلْها أثِمَ لمَا ذَكرناه، ولا يَضمنُ المالَ إنْ تلِفَ؛ لأنَّه لمْ يُوجَدْ منه تَعدٍّ، فهو كما لو قدِرَ على الدفعِ عن نفسِ غيرِه، ولمْ يَدفعْ عنه حتى قُتلَ.
وضَربٌ يُكرَه له قَبولُها على الصَّحيحِ، وهو مَنْ قدِرَ على حِفظِها وهو في الحالِ أَمينٌ ولكنْ لمْ يَثقْ بأَمانتِه، بل خافَ الخِيانةَ مِنْ نفسِه في المُستقبلِ، فإنه يُكرَه له قَبولُها خَشيةَ الخِيانةِ فيها، وقيلَ يَحرمُ عليه قَبولُها، مَحلُّ ذلكَ إذا لمْ يَعلمِ المالكُ الحالَ، وإلا فلا كَراهةَ ولا تَحريمَ.
وضَربٌ يَحرمُ عليه قَبولُها، وهو مَنْ يَعلمُ مِنْ حالِ نَفسِه العَجزَ عن حِفظِ الوَديعةِ، فإنَّه لا يَجوزُ له قَبولُها وإنْ وثِقَ بأَمانةِ نفسِه؛ لأنه يُغرِّرُ بمالِ غيرِه، ويُعرِّضُ نفسَه للضَّمانِ، فإنْ قبِلَها لمْ يَجبْ عليه الضَّمانُ إلا بالتَّعديِ.
قالَ ابنُ الرِّفعةِ: ومَحلُّه إذا لمْ يَعلمِ المالكُ بحالِه وإلا فلا تَحريمَ.
(١) حَدِيثٌ ضعيفٌ: رواه البزار في «مسنده» (١٦٩٩)، والدارقطني (٢٩٢٦).