وقالَ المالِكيةُ: الوَديعةُ جائزةٌ مِنْ الجانِبينِ بالنظرِ لذاتِها لا لمَا يَعرضُ لها مِنْ وُجوبٍ أو حُرمةٍ أو غيرِهما مِنْ بقيةِ الأَحكامِ الخَمسةِ.
فالوُجوبُ: كالمالِ الذي في يدِ المَحجورِ عليه إذا لمْ يُؤخذْ منه تلِفَ، وكذا إذا خشِيَ ضَياعَها أو هَلاكَها إنْ لمْ يُودعْها، مع وُجودِ قابلٍ لها قادرٍ على حِفظِها، وكذا يَجبُ القَبولُ والإِيداعُ، كما إذا خافَ ربُّها عليها عندَه مِنْ ظالمٍ ولمْ يَجدْ صاحِبُها مَنْ يَستودعُها غيرَه، فيَلزمُه عندَئذٍ القَبولُ قِياسًا على مَنْ دُعيَ إلى أنْ يَشهدَ على شَهادةٍ ولمْ يَكنْ في البَلدِ مَنْ يَشهدُ غيرُه، وكما يَقعُ في زَمنِ النَّهبِ مِنْ الإِيداعِ عندَ ذوي البُيوتِ المُحترمَةِ.
وحُرمتُها: إذا كانَ المالُ مَغصوبًا أو مَسروقًا؛ لوُجوبِ المُبادرةِ إلى ردِّه لمالكِه، ويَحرُمُ قَبولُه؛ لأنَّ في إِمساكِه إِعانةً على عدمِ ردِّه لمالكِه، ومَحلُّ كونِه يَحرمُ قَبولُه إذا كانَ لا يَقدرُ على جَحدِها ليَردَّها لربِّها أو للفُقراءِ إنْ كانَ المُودِعُ -بالكسرِ- مُستغرِقَ الذِّمةِ.
والنَّدبُ: إذا خشِيَ ما يُوجبُها دونَ تحقُّقِه.
والكَراهةُ: إذا خشِيَ ما يُحرِّمُها دونَ تَحقُّقِه (١).
وقالَ الشافِعيةُ: الوَدائعُ على أَضربٍ:
ضَربٌ يَعلمُ مِنْ نفسِه القُدرةَ على حِفظِها، ويَأمنُ مِنْ نفسِه الخِيانةَ فيها، ولا يَخافُ التَّلفَ عليها إنْ لمْ يَقبلْها، فهذا يُستحَبُّ له قَبولُها؛ لقَولِه
(١) «التاج والإكليل» (٤/ ٢٨١)، و «حاشية الدسوقي» (٥/ ١٢٠، ١٤٠)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ١٦٩، ١٧٠)، و «كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي» (٢/ ٣٥٨).