للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الزَّركشيُّ: في ذلك نَظرٌ، والوجهُ تَحريمُه عليهما، أما على المالكِ فلإِضاعتِه مالَه، وأما على المُودعِ فلإِعانتِه على ذلك.

قالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ: والمُعتمَدُ قولُ ابنُ الرِّفعةِ، وما قالَه الزَّركشيُّ مَمنوعٌ؛ لأنَّ الشَّخصَ إذا علِمَ أنَّ غيرَه يَأخذُ مالَه ليُنفقَه أو يُعطيَه غَيرَه لا يَحرمُ عليه، ولا على الآخذِ إذا علِمَ رِضاه بذلك، والإِيداعُ صَحيحٌ مع الحُرمةِ، وأثرُ التحريمِ مَقصورٌ على الآثمِ، لكن لو كانَ المُودِعُ وَكيلًا أو وَليَّ يَتيمٍ حيثُ يَجوزُ له الإِيداعُ، فهي مَضمونةٌ بمُجرَّدِ الأخذِ قطعًا (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: يُستحَبُّ قَبولُ الوَديعةِ لمَن يَعلمْ مِنْ نفسِه الأَمانةَ -أيْ أنه ثِقةٌ قادرٌ على حِفظِها- لمَا فيه مِنْ قَضاءِ حاجةِ أخِيه ومَعونتِه، وقد أمَرَ اللهُ تَعالى ورَسولُه بهما، قالَ رَسولُ اللهِ : «واللَّهُ في عَونِ العَبدِ ما كانَ العَبدُ في عَونِ أَخيه» (٢).

وإنْ كانَ عاجزًا عن حِفظِها أو خائفًا مِنْ نفسِه عليها لمْ يَجزْ له قَبولُها؛ لأنه يُغرِّرُ بها، إلا أنْ يُخبِرَ ربَّها بذلك إنْ كانَ لا يَعلمُه فيَرضاه، فإنَّ الحقَّ له فيَجوزُ بذلُه (٣).


(١) «مغني المحتاج» (٤/ ١٣١)، و «الإقناع» (٢/ ٣٧٧)، ويُنْظَر: «المهذب» (١/ ٣٥٩)، و «البيان» (٦/ ٤٧٣)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٥٧٥)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٣٠٠، ٣٠١)، و «الديباج» (٣/ ١٠٦، ١٠٧).
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٩٩).
(٣) «المغني» (٦/ ٣٠٠)، و «الكافي» (٢/ ٣٧٣)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>