للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَريمِ وَلدِه، ولا يَملكُ الأبُ تَملُّكَه ما في ذِمةِ نَفسِه ولا تَملُّكَ ما في ذِمةِ غَريمِ وَلدِه، ولا يَملكُ قَبضَ الدَّينِ منهما -أي: من نَفسِه وغَريمِ وَلدِه-؛ لأنَّ الوَلدَ لم يَملكُه قبلَ قَبضِه.

ولو أقَرَّ الأبُ بقَبضِ دَينِ وَلدِه من غَريمِه فأنكَرَ الوَلدُ أنْ يَكونَ أَبوه قبَضَ أو أقَرَّ بالقَبضِ رجَعَ الوَلدُ على غَريمِه بدَينِه؛ لعَدمِ بَراءتِه بالدَّفعِ إلى أَبيه، ورجَعَ الغَريمُ على الأبِ بما أخَذَه منه إنْ كانَ باقِيًا، وببَدلِه إنْ كانَ تالِفًا؛ لأنَّه قبَضَ ما ليسَ له قَبضُه لا بوِلايةٍ ولا بوَكالةٍ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ وابنُ عَقيلٍ من الحَنابِلةِ إلى أنَّ الأبَ ليسَ له أنْ يَأخذَ من مالِ وَلدِه إلا بقَدرِ حاجَتِه -وهي النَّفقةُ الواجِبةُ على الوَلدِ إذا كانَ الأبُ فَقيرًا- وإنِ استَهلكَ شَيئًا من مالِه فعليه ضَمانُه؛ لأنَّ النَّبيَّ قالَ: «إنَّ دِماءَكم وأَموالَكم وأَعراضَكم عليكم حَرامٌ كحُرمةِ يَومِكم هذا في بَلدِكم هذا في شَهرِكم هذا» (٢). فجعَلَ رَسولُ اللهِ حُرمةَ الأَموالِ كحُرمةِ الأَبدانِ، فكما لا يَحلُّ أَبدانُ الأَبناءِ للآباءِ إلا بالحُقوقِ الواجِبةِ فكذلك لا يَحلُّ لهم أَموالُهم إلا بالحُقوقِ الواجِبةِ.


(١) يُنظَرُ: «المغني» (٥/ ٣٩٥)، و «الكافي» (٢/ ٤٧١)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٨٥، ٢٨٦)، و «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٥١٨)، و «المبدع» (٥/ ٣٨١)، و «الإنصاف» (٧/ ١٥٤، ١٥٦)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٨٢، ٣٨٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤١٣، ٤١٥)، و «الإفصاح» (٢/ ٥٧).
(٢) أخرجه البخاري (٤١٤٤)، ومسلم (١٦٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>