للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ سُفيانُ بنُ عُيَينةَ في قَولِه تَعالى: ﴿وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ﴾ [النور: ٦١] ثم ذكَرَ بُيوتَ سائِرِ القَراباتِ إلا الأَولادَ لم يَذكُرْهم؛ لأنَّهم دخَلوا في قَولِه: ﴿بُيُوتِكُمْ﴾ فلمَّا كانت بُيوتُ أَولادِهم كبُيوتِهم لم يَذكرْ بُيوتَ أَولادِهم، ولأنَّ الرَّجلَ يَلي مالَ وَلدِه من غيرِ تَوليةٍ فكانَ له التَّصرفُ فيه كمالِ نَفسِه.

وفي قَولٍ للحَنابِلةِ أنَّ الأبَ لا يَأخذُ من مالِ وَلدِه إلا ما يَحتاجُ إليه.

والصَّحيحُ من المَذهبِ أنَّ هذا للأبِ دونَ الأُمِّ والجَدِّ وغيرِهما من سائِرِ الأقارِبِ، فليسَ للأُمِّ أنْ تأخُذَ من مالِ وَلدِها؛ لأنَّ الأصلَ المَنعُ، خُولفَ في الأبِ لدِلالةِ النَّصِ، وبَقيَ ما عَداه على الأصلِ، وقيلَ لها ذلك كالأبِ.

لكنَّ الأبَ لا يَأخذُ إلا بشُروطٍ سِتةٍ:

أحدُها: أنْ يَكونَ ما يَتملكُه فاضِلًا على حاجةِ الوَلدِ لئلَّا يَضرَّه بتَملُّكِه، وهو مَنفيٌّ بقَولِه : «لا ضَررَ ولا ضِرارَ» فليسَ للأبِ أنْ يَتملكَ سريَّتَه وإنْ لم تَكنْ أُمَّ وَلدٍ للابنِ؛ لأنَّها مُلحقةٌ بالزَّوجاتِ، ولا يَتملكُ أيضًا ما تَعلَّقت حاجَتُه به كآلةِ حِرفةٍ يَتكسَّبُ بها، ورأسِ مالِ تِجارةٍ؛ لأنَّ حاجةَ الإِنسانِ مُقدَّمةٌ على دَينِه فلَأنْ تُقدَّمَ على أَبيه بطَريقِ الأَولى.

الشَّرطُ الثاني: ألَّا يُعطيَه الأبُ لوَلدٍ آخَرَ، فلا يَتملكَ من مالِ وَلدِه زيدٍ ليُعطيَه لوَلدِه عَمرٍو؛ لأنَّه مَمنوعٌ من تَخصيصِ بعضِ وَلدِه بالعَطيةِ من مالِ نَفسِه، فلَأنْ يُمنعَ من تَخصيصِه بما أخَذَ من مالِ وَلدِه الآخَرِ أَولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>