للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَصرِ هو بعَينِه آخرُ وقتِ الظُّهرِ وذلك إذَا صَارَ كلُّ شَيءٍ مِثلَه، غيرَ الظِّلِّ الذي يَكونُ عندَ الزَّوالِ؛ لِلأحادِيثِ المُتَقدِّمةِ في هذا.

إلَّا أنَّ الإمامَ مالِكًا يَرى أنَّ آخر وقتِ الظُّهرِ وأوَّلَ وقتِ العَصرِ هو وقتٌ مُشترَكٌ لِلصَّلاتَينِ معًا، فلَو أنَّ رَجلَينِ يُصلِّيانِ معًا، أحَدُهُما يُصلِّي العَصرَ، والآخَرُ يُصلِّي الظُّهرَ، حينَ صارَ كلُّ شَيءٍ مِثلَه، وفي الزَّوالِ بقَدرِ ما يُصلِّي أربعَ رَكعاتٍ، كانَ كلُّ واحدٍ منهما مُصلِّيًا لَها في وقتِها، أي: أداءً.

وقالَ الشَّافعيَّةُ والحنابِلةُ في المَذهبِ: لا اشتِراكَ بينَ وقتِ الظُّهرِ ووقتِ العَصرِ، بل متَى خرَج وقتُ الظُّهرِ بمَصيرِ ظِلِّ الشَّيءِ مِثلَه غيرَ الظِّلِّ الذي يَكونُ عندَ الزَّوالِ، دخلَ وقتُ العَصرِ، وإذَا دخلَ وقتُ العَصرِ لم يَبقَ شَيءٌ من وقتِ الظُّهرِ.

وسَببُ اختِلافِ مالِكٍ معَ الشافِعيِّ وأَحمدَ في هذه مُعارضَةُ حَديثِ جِبريلَ في هذا المعنَى؛ لحَديثِ عَبد اللهِ بنِ عمرَ، وذلك أنَّه جاءَ في حَديثِ إِمامةِ جِبريلَ أنَّه صلَّى بالنَّبيِّ الظُّهرَ في اليَومِ الثَّاني، في الوقتِ الذي صلَّى فِيه العَصرَ في اليَومِ الأوَّلِ.

وفِي حَديثِ ابنِ عمرَ أنَّه قالَ : «وقتُ الظُّهرِ ما لم يَحضُر وقتُ العَصرِ»؛ فهذا الحَديثُ نَصٌّ صَريحٌ على أنَّه إِذَا حَضرَ وقتُ العَصرِ خرَج وقتُ الظُّهرِ.

فمَن رجَّح حَديثَ جِبريلَ جعلَ الوقتَ مُشترَكًا، ومَن رجَّح حَديثَ عَبد اللهِ لم يَجعل بينَهُما اشتِراكًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>