الإخبارَ بِوُقوعِ ذلك منهُ، لا بأنَّه كانَ ذلك أغلَبُ أحوالِه ﷺ قالَ:«الإسفارُ أفضَلُ منَ التَّغليسِ»، ومَن رجَّح حَديثَ العُمومِ؛ لِمُوافَقةِ حَديثِ عائِشةَ لَه، ولأنَّه نَصٌّ في ذلك، أو ظاهِرٌ وحَديثُ رافعِ بنِ خَديجٍ مُحتمَلٌ، لأنَّه يُمكِنُ أن يُرِيدَ بذلك تَبيُّنَ الفَجرِ وتَحقُّقَهُ، فلا يَكونُ بينَه وبينَ حَديثِ عائِشةَ ولَا العُمومِ الوارِدِ في ذلك تَعارُضٌ، قالَ أَفضَلُ الوقتِ أوَّلُه.
وأمَّا مَنْ ذَهب إلى أنَّ آخر وقتِها الإسفارُ، فإنَّه تَأوَّلَ الحَديثَ في ذلك أنِّه لِأهلِ الضَّروراتِ، أعنِي قولَه ﷺ:«مَنْ أدرَكَ رَكعةً مِنْ الصُّبحِ قبلَ أن تَطلُعَ الشَّمسُ، فقد أدرَكَ الصُّبحَ»، وهَذا شَبيهٌ بِما فعَلَه الجُمهورُ في العَصرِ، والعَجَبُ أنَّهم عدلُوا عن ذلك في هذا ووافَقُوا أهلَ الظَّاهرِ، ولذلك لِأَهلِ الظَّاهرِ أن يُطالبُوهم بالفَرقِ بينَ ذلك (١).
وسُئلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمِيَّةَ ﵀: هل التَّغليسُ أفضَلُ أو الإسفارُ؟
فأجابَ: الحَمدُ للهِ، بلِ التَّغليسُ أفضَلُ إِذا لم يكن ثَمَّ سَببٌ يَقتَضِي التَّأخيرَ، فإنَّ الأحاديثَ الصَّحيحةَ المُستفيضةَ عن النَّبيِّ تُبيِّنُ أنَّه كانَ يُغَلِّسُ بصَلاةِ الفَجرِ كَما في الصَّحيحَينِ عن عائِشةَ ﵂ قالَت:«لقد كانَ رَسولُ اللهِ يُصلِّي الفَجرَ فيَشهَدُ معهُ نِساءٌ منَ المُؤمِنَاتِ مُتَلفِّعاتٍ بمُروطِهِنَّ، ثم يَرجِعنَ إلى بُيوتِهنَّ ما يَعرِفُهنَّ أحَدٌ مِنْ الغَلَسِ»، والنَّبيُّ لم يكن في مَسجدِه قَناديلُ، كَما في الصَّحِيحَينِ عن أبِي بَرزَةَ الأسلَميِّ «أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يَقرأُ في الفَجرِ بمَا بينَ السِّتِّينَ آيةً إلى المِئةِ، ويَنصرِفُ منها حينَ يَعرِفُ الرَّجلُ جَليسهُ»، وهذه القِراءةُ هيَ نَحوُ نِصفِ جُزءٍ أو ثُلُثِ جُزءٍ، وكانَ فَراغُه مِنْ الصَّلاةِ حينَ يَعرِفُ
(١) «بداية المجتهد» (١/ ١٤٢، ١٤٣)، وبقية المصادر السابقة.