الرَّجلُ جَليسه، وهكذا في الصَّحيحِ مِنْ غيرِ هذا الوَجهِ أنَّه كانَ يُغَلِّسُ بِالفَجرِ، وكذلك خُلفاؤُه الرَّاشِدونَ بعدَه، وكانَ بعدَه أُمراءُ يُؤَخِّرونَ الصَّلاةَ عن وقتِها، فَنَشأَ في دَولَتِهم فُقهاءُ رَأَوا عادَتَهم فظَنَّوا أنَّ تأخِيرَ الفَجرِ والعَصرِ أفضَلُ مِنْ تَقديمِهما، وذلك غَلَطٌ في السُّنةِ.
وَاحتَجَّوا بِمَا رَوَاهُ التِّرمِذيُّ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ: «أسفِرُوا بِالفَجرِ؛ فإنَّه أعظَمُ لِلأجرِ». وقد صحَّحهُ التِّرمِذيُّ، وهَذا الحَديثُ لو كانَ مُعارِضًا لم يُقاوِمها؛ لأنَّ تلك في الصَّحِيحَينِ، وهي مَشهورَةٌ مُستَفيضَةٌ، والرَّأيُ الوَاحِدُ إِذا خَالَفَ المَشهورَ المُستفِيضَ كانَ شاذًّا وقد يكونُ مَنسوخًا؛ لأنَّ التَّغليس هو فِعلُه حتى مَاتَ، وفِعلُ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ بعدَه.
وقَد تَأوَّلَ الطَّحاويُّ مِنْ أصحابِ أبي حَنيفَةَ وغيرُه، كَأبي حَفصٍ البرمَكِيِّ مِنْ أصحابِ أحمدَ وغيرُهما قولَه: «أسفِرُوا بِالفَجرِ» على أنَّ المُرادُ بالإسفَارِالخُروجُ مِنها، أي: أَطِيلُوا صَلاةَ الفَجرِ حتى تَخرُجوا مِنها مُسفِرينَ، وقِيلَ: المُرادُ بِالإسفارِ التَّبيُّنُ، أي: صَلُّوها إذا تبيَّن الفَجرُ وانكَشَفَ ووَضَحَ؛ فإنَّ في الصَّحيحَينِ عن ابنِ مَسعودٍ قالَ: «مَا رَأيتُ رَسولَ اللهِ ﷺ صلَّى صَلاةً لغيرِ وقتِها إلَّا صَلاةَ الفَجرِ بِمُزدلِفةَ، وصَلاةَ المَغربِ بِجَمعٍ»، وصَلاةُ الفَجرِ إنَّما صلَّاها يَومئذٍ بعدَ طُلُوعِ الفَجرِ، هكَذا في صَحِيحِ مُسلِمٍ عن جَابرٍ قالَ: «وصلَّى صَلاةَ الفَجرِ حينَ بَرَقَ الفَجرُ»، وإنَّما مُرادُ عَبد اللهِ بنِ مَسعودٍ أنَّه كانَ يُؤخِّرُ الفَجرَ عن أوَّلِ طُلُوعِ الفَجرِ حتى يَتبيَّنَ ويَنكَشِفَ ويَظهَرَ، وذلكَ اليومَ عَجَّلَها قَبلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute